تفسير كتاب الله العزيز للهواري

الهواري القرن الثالث الهجري
Add Enterpreta Add Translation

page 1

بِسۡمِ ٱللَّهِ ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ١

تفسير فاتحة الكتاب ، وهي مكية كلها .

ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : السبع المثاني فاتحة الكتاب[1] . غير واحد من العلماء قال : السبع المثاني هي فاتحة الكتاب . وإنما سميت السبع المثاني لأنهن يثنين في كل قراءة ، يعني في كل ركعة .

ذكر أبو زيد[2] قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة نمشي في بعض طرق المدينة ، ويدي في يده ، إذ مررنا برجل يتهجد من الليل ، وهو يقرأ فاتحة الكتاب ، فذهبت أكلم النبي عليه السلام ، فأرسل يدي من يده وقال : صه ، وجعل يستمع . فلما فرغ الرجل منها قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما في القرآن مثلها[3] .

ذكروا عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأبُيّ : لأعلمنك سورة ما في القرآن مثلها ، ولا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور مثلها ، هي أعظم ، هي فاتحة الكتاب[4] .

ذكروا عن أبي بن كعب قال : قال الله : يا ابن آدم أنزلت عليك سبع آيات ثلاث منهن لي ، وثلاث منهن لك ، وواحدة بيني وبينك ، { الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم ، مالك يوم الدين } ، هذه لله : { إياك نعبد وإياك نستعين } [ هذه بين الله وبين ابن آدم ][5] . { اهدنا الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } . هذه لابن آدم[6] .

ذكروا عن الحسن قال : هذا دعاء أمر الله رسوله أن يدعوا به ، وجعله سنة له وللمؤمنين .

قوله : { بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } ][46] . ذكروا عن الحسن قال : هذان اسمان [ ممنوعان ][47] لم يستطع أحد من الخلق أن ينتحلهما : الله والرحمن . قال بعض أهل العلم : إن المشركين قالوا : أما الله فنعرفه ، وأما الرحمن فلا نعرفه ، فأنزل الله : { وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ } ، يا محمد ، { هُوَ رَبِّي } [ سورة الرعد : 30 ]

ذكروا عن أبي الدرداء قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " قال الله : أنا الرحمن . شققت الرحم من اسمي فمن وصلها وصلته ، ومن قطعها قطعته[48] " .

ذكروا عن عبد الله بن مسعود قال : كنا نكتب باسمك اللهم [ زماناً ][49] ، فلما نزلت : { قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ } [ الإِسراء : 110 ] كتبنا : { بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ } فلما نزلت : { إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } [ سورة النمل : 30 ] كتبنا { بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } .

ذكروا عن سلمان الفارسي أنه قال : [ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ][50] : " إن الله خلق يوم خلق السماوات والأرض مائة رحمة كل رحمة منها طباقها السماوات والأرض ، فأنزل الله منها رحمة واحدة ، فبها تتراحم الخليقة حتى ترحمَ البهيمةُ بهيمتَها ، والوالدة ولدها . فإذا كان يوم القيامة جاء بتلك التسع والتسعين رحمة ، ونزع تلك الرحمة من قلوب الخليقة فأكملها مائة رَحمةٍ ، ثم يضعها بينه وبين خلقه . فالخائب من خُيِّب من تلك المائة رحمة[51] .

ذكروا عن الحسن أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لا يدخل الجنةَ إلا رحيم " ، قالوا : يا رسول الله ، كلنا رحيم ، يرحم الرجل نفسه ويرحم ولده ، ويرحم أهله . قال : " لا ، حتى يرحم الناس جميعاً[52] " .

ذكروا عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إنما يضع الله رحمته على كل رحيم[53] .

ذكروا عن ابن عباس أنه كان يجهر بِ { بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ } في الصلاة ، ويقول : من تركها فقد ترك آية من كتاب الله . وابنُ عباس كان يجعل { صِرَاطَ الذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } آية واحدة . .

ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ٢

قوله تعالى : { الْحَمْدُ لِلَّهِ } . قال الحسن : حمد الرب نفسه ، وأمر العباد أن يحمدوه . والحمد شكر النعمة . { رَبِّ الْعَالَمِينَ } . العالَمون الخَلق . يقول : الحمد لرب الخلق[54] .

ٱلرَّحۡمَٰنِ ٱلرَّحِيمِ٣
مَٰلِكِ يَوۡمِ ٱلدِّينِ٤

قوله : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ } . ذكروا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر كانوا يقرأونها : { مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ }[55] . وتفسيرها على هذا المقرإ مَالِكه الذي يملكه ، من قِبَل المِلك . وبعضهم يقرأونها : { مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ } يعنون بهذا المقرإ أنه من قِبَل المُلك . وبعضهم يقرأها : { مَالِكَ يَوْمِ الدِّينِ } يجعلها نداء[56] . وتفسيره على الدعاء : يا مالكَ يَوْمِ الدِّينِ . ويوم الدين هو يوم الحساب في تفسير مجاهد والحسن . وقال بعضهم : يوم يدين الله الناس فيه بأعمالهم . وقولهم جميعاً في هذا واحد . .

إِيَّاكَ نَعۡبُدُ وَإِيَّاكَ نَسۡتَعِينُ٥

[ قوله : { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ][57] } .

ٱهۡدِنَا ٱلصِّرَٰطَ ٱلۡمُسۡتَقِيمَ٦

{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ } . هذا دعاء ؛ سأله المؤمنون الهدى والاستقامة في كل قول وعمل . { اهْدِنَا } أي : أرشدنا . قال بعض المفسرين : { الصِّرَاطَ المُسْتَقِيمَ } ، يعني الطريق المستقيم إلى الجنة ، وهو دين الإِسلام . ذكروا عن ابن مسعود وابن عمر قالا : ترك النبي عليه السلام طرفَ الصراط عندنا وطرفَه في الجنة .

صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ٧

قوله : { صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } . يعني بالإِسلام . قال بعضهم : { الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ } هم الأنبياء ؛ وهو كقوله : { أُوْلَئِكَ الذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ . . . } . إلى آخر الآية . [ سورة مريم : 58 ] والإِسلام يجمعهم جميعا .

قوله : { غَيْرِ الْمَغْضُوبِ } يعني اليهود . { وَلاَ الضَّالِّينَ } يعني النصارى . والمشركون كلهم مغضوب عليهم وكلهم ضالون ، ولكن اليهود والنصارى يقرأون الكتابين : التوراة والإِنجيل وينتحلونهما ، ويزعمون أنهم يدينون بهما . وقد حرَّفوهما ، وهم على غير هدى . ذكروا عن الحسن أنه قال : المغضوب عليهم اليهود ، والضالون النصارى[58] .