{ صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين }
الإيضاح :
الذين أنعم الله عليهم هم النبيون والصديقون والصالحون من الأمم السالفة ، وقد أجملهم هنا وفصلهم في مواضع عدة من الكتاب الكريم بذكر قصصهم للاعتبار بالنظر في أحوالهم . فيحملنا ذلك على حسن الأسوة فيما تكون به السعادة ، واجتناب ما يكون طريقا إلى الشقاء والدمار .
وقد أمرنا بإتباع صراط من تقدمنا ، لأن دين الله واحد في جميع الأزمان ، فهو إيمان بالله ورسله واليوم الآخر ، وتخلق بفاضل الأخلاق وعمل الخير وترك الشر ، وما عدا ذلك فهو فروع وأحكام تختلف باختلاف الزمان والمكان ، يرشد إلى ذلك قوله تعالى : { إنا أوحينا إليك الكتاب كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده } إلى آخر الآية .
والمغضوب عليهم هم الذين بلغهم الدين الحق الذي شرعه الله لعباده فرفضوه ونبذوه وراءهم ظهريا ، وانصرفوا عن النظر في الأدلة تقليدا لما ورثوه عن الآباء والأجداد –وهؤلاء عاقبتهم النكال والوبال في جهنم وبئس القرار .
والضالون هم الذين لم يعرفوا الحق ، أو لم يعرفوه على الوجه الصحيح ، وهؤلاء هم الذين لم تبلغهم رسالة ، أو بلغتهم على وجه لم يستن لهم فيه الحق ، فهم تائهون في عماية لا يهتدون معها إلى مطلوب ، تعترضهم الشبهات التي تلبس الحق بالباطل ، والصواب بالخطأ إن لم يضلوا في شؤون الدنيا ضلوا في شؤون الحياة الأخرى ، فمن حرم هدي الدين ظهر أثر الاضطراب في أحواله المعيشية وحلت به الزوايا ، والذين جاءوا على فترة من الرسل لا يكلفون بشريعة ، ولا يعذبون في الآخرة لقوله تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } .
وهذا رأي جمهرة العلماء ، وترى فئة منهم أن العقل وحده كاف في التكليف ، فمتى أوتيه الإنسان وجب عليه النظر في ملكوت السماوات والأرض والتدبر والتفكر في خالق الكون ، وما يجب له عبادة وإجلال ، بقدر ما يهديه عقله ويصل إليه اجتهاده ، وبذلك ينجو من عذاب النار يوم القيامة ، فإن لم يفعل ذلك كان من الهالكين .
{ آمين } اسم بمعنى استجب ، وفيه لغتان : المد كما قال شاعرهم :
يا رب لا تسلبني حبها أبدا ويرحم الله عبدا قال آمينا
والقصر كما قال الآخر : أمين فزاد الله ما بيننا بعدا
وروى في الأثر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لقنني جبريل آمين عند فراغي من قراءة الفاتحة ، وقال إنه كالختم على الكتاب ، وأوضح ذلك علي كرم الله وجهه فقال : آمين خاتم رب العالمين ، ختم به دعاء عبده –يريد أنه كما يمنع الخاتم الإطلاع على المختوم والتصرف فيه ، يمنع آمين الخيبة عن دعاء العبد .
وهذا اللفظ ليس من القرآن إذ لم يثبت في المصاحف ، ولا يقوله الإمام في الصلاة ، لأنه الداعي كما قال الحسن البصري ، والمشهور عن أبي حنيفة أنه يقوله ويخفيه وفاقا لرواية أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعند الشافعية يجهر به ، كما رواه وائل بن حجر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : كان إذا قرأ ولا الضالين ، قال : آمين ورفع صوته .
ويرى بعض علماء الآثار المصرية في العصر الحاضر أن كلمة { آمين } معناها الله ، فكأنها ذكرت في آخر الفاتحة للختم باسمه تعالى إشارة إلى أن المرجع كله إليه ، ويعقدون موازنة بين { مينو } و { آمنو } و { آمين } .
ويرى الثقات من علماء اللغات السامية رأيهم ، ويقولون : إنها ذكرت آخر الفاتحة للترنم بها بعد قراءة السورة التي تضمنت الإشارة إلى أغراض الكتاب الكريم .
ويؤيدون رأيهم بأن المزامير ختمت بكلمة { سلاه } للترنم بها على هذا النحو –ويكون المعنى العام –إنا نتوجه إليك يا إلهنا فإليك المرجع والمصير .