{ اهدنا الصراط المستقيم }
19- أول دعاء علمه رب العالمين عباده المسلمين الذين اصطفاهم الله من بين خلقه : هذا الدعاء ، قوله : { اهدنا الصراط المستقيم } أي ثبتنا عليه وأدمه لنا [ منهاج العابدين : 336 ]
20- { اهدنا الصراط المستقيم } سؤال ودعاء ، وهو مخ العبادة كما تعرفه من الأذكار والدعوات[34] من كتب " الإحياء : وهو تنبيه على حاجة الإنسان إلى التضرع والابتهال إلى الله تعالى ، وهو روح العبودية ، وتنبيه على أن أهم حاجة الهداية إلى الصراط المستقيم ، إذ به السلوك إلى الله تعالى كما سبق ذكره . [ جواهر القرآن ودرره : 54 ] .
21- قال عليه السلام : ( شيبتني هود وأخواتها )[35] وأراد به قوله تعالى : { فاستقم كما أمرت }[36] ، فإن الامتداد على الصراط المستقيم في طلب الوسط بين هذه الأطراف شديد ، وهو أدق من الشعر وأحد من السيف كما وصف من حال الصراط في الدار الآخرة ، بل يكون في الآخرة مستقيما ، إذ يموت المرء على ما عاش عليه ، ويحشر على ما مات عليه ، ولذلك يجب في كل ركعة من الصلاة سورة " الفاتحة " المشتملة على قوله تعالى : { اهدنا الصراط المستقيم } فإنه أعز الأمور وأعصاها على الطالب ، ولو كلف ذلك في خلق واحد لطال العناء فيه ، فكيف وقد كلفنا ذلك في جميع الأخلاق مع خروجها عن الحصر . . . ولا مخلص من هذه المخاطرات إلا بتوفيق الله ورحمته [ معارج القدس : 88 وميزان العمل : 268 ] .
22- الصراط المستقيم : عبارة عن الوسط الحقيقي بين الأخلاق المتضادة ، لذلك قد بين الله بهذا الدعاء في سورة " الفاتحة " حيث قال : { اهدنا الصراط المستقيم } . . . مثال ذلك : السخاوة بين التبذير والبخل ، والشجاعة بين التهور والجبن ، والاقتصاد بين الإسراف والإقتار ، والتواضع بين التكبر والدناءة ، والعفة بين الشهوة والخمود . فهذه الأخلاق لها طرف إفراط وطرف تقصير ، فهو على غاية البعد من كل طرف ، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : «خير الأمور أوساطها »[37] . . .
الصراط المستقيم هو الوسط الحق بين الطرفين الذين لا ميل له إلى أحد الجانبين وهو أدق من الشعر ، فالذي يطلب غاية البعد من الطرفين يكون على الوسط ، ولو فرضنا حلقة حديد محماة بالنار وقعت نملة فيها وهي تهرب بطبعها من الحرارة فلا تموت إلا على المركز ، لأنه الوسط الذي هو غاية البعد من المحيط المحرق ، وتلك النقطة لا عرض لها .
فإن الصراط المستقيم هو الوسط بين الطرفين ولا عرض له ، فهو أدق من الشعر .
ولذلك خرج عن القدرة البشرية الوقوف عليه ، فلا جرم يورد أمثالنا النار بقدر ميله عنه ، كما قال تعالى : { وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا }[38] . [ المضنون به على غير أهله ضمن مجموع رسائل الإمام الغزالي رقم 4 ص : 157-158 ] .
23- لأجل الاستقامة ، وجب على كل عبد أن يدعو الله تعالى في كل يوم سبع عشرة مرة في قوله : { اهدنا الصراط المستقيم } إذ وجب قراءة الفاتحة في كل ركعة .