سورة الفاتحة
مكية[1] . ولها عشرة أسماء[2] : الفاتحة[3] والوافية والكافية[4] والشافية[5] ، والسبع المثاني ؛ لأنها سبع آيات عند الشافعي منها البسملة ، وأسقطها مالك وجعل السابعة : { غير المغضوب عليهم ولا الضالين } [ الفاتحة : 7 ] الآية ، أو تثنى في كل صلاة ، أو لاشتمالها على الثناء على الله . وأم القرآن[6] ؛ لأنها مفتتحه ومبدؤه ، أو لأنها اشتملت على ما فيه إجمالا على ما يأتي ، وسورة الحمد والشكر ، وسورة تعليم المسألة[7] ، وسورة الصلاة لتكريرها فيها[8] ، وأساس القرآن ؛ لأنها أصله ومبدؤه ويبنى سائره عليها .
واتفقت المصاحف على افتتاحها ب { بسم الله الرحمان الرحيم ( 1 ) } [ الفاتحة : 1 ] واختلف الأئمة فيها ، فقال مالك[27] : ليست آية لا من الفاتحة ولا من غيرها إلا من النمل خاصة ، وقال الشافعي[28] : هي آية من الفاتحة فقط ، وقال ابن عباس[29] : هي آية من كل سورة .
فحجة مالك : ما في الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم قال : " أنزلت علي سورة ليس في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الفرقان مثلها ، ثم قال : { الحمد لله رب العالمين ( 2 ) } ( الفاتحة : 2 ) " [30] ولم يذكر البسملة . وكذلك ما ورد في الصحيح أيضا أن الله يقول : " قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين . يقول العبد : الحمد لله رب العالمين " [31] فبدأ بها دون البسملة .
وحجة الشافعي : ما ورد في الصحيح " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ : { بسم الله الرحمان الرحيم ( 1 ) الحمد لله رب العالمين ( 2 ) } [ الفاتحة : 1 ، 2 ][32] . وحجة ابن عباس : ثبوت البسملة مع كل سورة في المصحف ، مع تحري الصحابة ألا يدخلوا في المصحف غير كلام الله ، وقالوا : ما بين الدفتين كلام الله[33] .
وإذا ابتدأت أول سورة بسملت إلا براءة ، وسيأتي الكلام عليها . وإذا ابتدأت جزء سورة فأنت مخير عند الجمهور . وإذا أتممت سورة وابتدأت أخرى فاختلف القراء في البسملة وتركها .
وأما حكمها في الصلاة ، فقال مالك : مكروهة في الفرض دون النفل ، وقال الشافعي : فرض تبطل الصلاة بتركها ، فيبسمل –عنده- جهرا في الجهر وسرا في السر ، عند أبي حنيفة[34] كذلك إلا أنه يسرها مطلقا ، وحجة مالك أنها ليست بآية : ما في الحديث الصحيح عن أنس[35] أنه قال : ( صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان ، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين ) لا يذكرون البسملة أصلا[36] . وحجة الشافعي أنها عنده آية : ما ورد في الحديث من قراءتها كما تقدم .
ولم تكن البسملة قبل الإسلام ، فكانوا يكتبون : باسمك اللهم ، حتى نزلت { بسم الله مجراها } [ هود : 41 ] فكتبوا { بسم الله } حتى نزل : { . . . أو ادعوا الرحمان } [ الإسراء : 110 ] فكتبوا : { بسم الله الرحمان } حتى نزل : { . . . وإنه بسم الله الرحمان الرحيم } [ النمل : 30 ] فكتبوها .
وحذفت الألف لكثرة الاستعمال ، والباء متعلقة بمحذوف ، اسم عند البصريين ، أي ابتدائي كائن بسم الله ، فموضعها رفع . وفعل عند الكوفيين ، أي : أبدأ أو أتلو . فيقدر كل واحد ما جعلت البسملة مبدأ له ، فموضعها نصب ، ويقدر مؤخرا لإفادة الحصر والاختصاص . وهو مشتق من السمو[37] عند البصريين ، فلامه محذوفة ، وعند الكوفيين من السمة[38] ، أي : العلامة ، ففاؤه محذوفة ، ودليل البصريين : التصغير والتكسير ، فقالوا : أسماء ، ولم يقولوا أوسام ، وقالوا : سمى ، ولم يقولوا : وسيم[39] .
و{ لله } علم على الذات الواجبة الوجود ، المستحق لجميع المحامد ، وهل هو مشتق أو مرتجل ؟ قولان يأتي الكلام عليهما في { الحمد لله } ؛ ، وكذلك { الرحمان الرحيم } .