تفسير القرآن للمراغي

المراغي القرن الرابع عشر الهجري
Add Enterpreta Add Translation

page 566

ٱلۡحَآقَّةُ١

آيها ثنتان وخمسون

هي مكية ، نزلت بعد سورة الملك .

ومناسبتها لما قبلها :

( 1 ) إنه وقع في نّ ذكر يوم القيامة مجملا ، وهنا فصل نبأه وذكر شأنه العظيم .

( 2 ) إنه ذكر فيما قبلها من كذب بالقرآن وما توعده به ، وهنا ذكر أحوال أمم كذبوا الرسل وما جرى عليهم ، ليزدجر المكذبون المعاصرون له عليه الصلاة والسلام .

بسم الله الرحمن الرحيم

{ الحاقة ( 1 ) ما الحاقة( 2 ) وما أدراك ما الحاقة ( 3 ) كذبت ثمود وعاد بالقارعة ( 4 ) فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية ( 5 ) وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية ( 6 ) سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ( 7 ) فهل ترى لهم من باقية ( 8 ) وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة ( 9 ) فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية ( 10 ) إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية ( 11 ) لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية } [ الحاقة : 1-12 ] .

شرح المفردات : الحاقة : من حق الشيء ، إذا ثبت ووجب ، أي الساعة الواجبة الوقوع ، الثابتة المجيء وهي يوم القيامة ، ما الحاقة : أي أيّ شيء هي ؟ تفخيما لشأنها ، وتعظيما لهولها

الإيضاح : { الحاقة* ما الحاقة } ؟ هذا أسلوب من الكلام يفيد التفخيم والمبالغة في الغرض الذي يساق له ، فكأنه قيل : أي شيء هي في حالها وصفتها ؟ فهي لا تحيط بها العبارة ، ولا يبلغ حقيقتها الوصف .المعنى الجملي : ذكر سبحانه أن يوم القيامة حق لا شك فيه ، وأن الأمم التي عصت رسلها وكذبتهم ، أصابها الهلاك والاستئصال بألوان من العذاب ، فثمود أهلكت بالصاعقة وعاد أهلكت بريح صرصر عاتية سلطها عليهم سبع ليال وثمانية أيام متتابعة ، فصاروا صرعى كأنهم أصول نخل جوفاء ، لم يبق منهم ديّار ، ولا نافخ نار ؛ وكذلك أهلك فرعون وقومه بالغرق ، وقم لوط بالزلزال الشديد ، الذي قلب قراهم وجعل عاليها سافلها ، وأهلك قوم نوح بالطوفان .

مَا ٱلۡحَآقَّةُ٢

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

شرح المفردات : الحاقة : من حق الشيء ، إذا ثبت ووجب ، أي الساعة الواجبة الوقوع ، الثابتة المجيء وهي يوم القيامة ، ما الحاقة : أي أيّ شيء هي ؟ تفخيما لشأنها ، وتعظيما لهولها

الإيضاح : { الحاقة* ما الحاقة } ؟ هذا أسلوب من الكلام يفيد التفخيم والمبالغة في الغرض الذي يساق له ، فكأنه قيل : أي شيء هي في حالها وصفتها ؟ فهي لا تحيط بها العبارة ، ولا يبلغ حقيقتها الوصف .

وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا ٱلۡحَآقَّةُ٣

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

شرح المفردات : وما أدراك ما الحاقة : أي أيّ شيء أعلمك ما هي ؟ فلا علم لك بحقيقتها ، إذ بلغت من الشدة والهول أن لا يبلغها علم المخلوقين

ثم زاد سبحانه في تفظيع شأنها ، وتفخيم أمرها ، وتهويل حالها فقال :

{ وما أدراك ما الحاقة } أي أيّ شيء أعلمك ما هي ؟ فهي خارجة عن دائرة علوم المخلوقات ، لعظم شأنها ، ومدى هولها وشدتها ، فلا تبلغها دراية أحد ولا وهمه ، فكيفما قدرت حالها ، فهي فوق ذلك وأعظم .

قال سفيان بن عيينة : كل ما في القرآن قال فيه : وما أدراك فإنه صلى الله عليه وسلم أخبر به ، وكل شيء قال فيه : وما يدريك ، فإنه لم يخبر به .

كَذَّبَتۡ ثَمُودُ وَعَادُۢ بِٱلۡقَارِعَةِ٤

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

شرح المفردات : القارعة : هي الحاقة التي تقرع قلوب الناس بالمخافة والأهوال ، وتقرع الأجرام بالانفطار والانتشار ، وسميت قارعة لشدة هولها ، إذ القرع ضرب شيء بشيء

ثم ذكر بعض الأمم التي كذبت بها ، وما حاق بها من العذاب فقال :

{ كذبت ثمود وعاد بالقارعة } أي كذبت ثمود وعاد بالقيامة التي تقرع الناس بالفزع والهول ، والسماء بالانفجار ، والأرض والجبال بالنسف ، والنجوم بالطمس والانكدار .

فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِٱلطَّاغِيَةِ٥

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

شرح المفردات : الطاغية : هي الواقعة التي جاوزت الحد في الشدة والقوة كما قال { إنا لما طغى الماء } أي جاوز الحد ، والمراد بها الصاعقة .

ثم فصل ما نزل بكل أمة من العذاب فقال :

{ فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية } أي فأما ثمود فأهلكهم الله بصيحة جاوزت الحد في الشدة كما جاء في هود { وأخذ الذين ظلموا الصيحة } [ هود : 67 ] وهي الصاعقة التي جاءت في حم السجدة ، والرجفة والزلزلة التي جاءت في سورة الأعراف ، فلا تعارض بين الآيات ، لأن الهلاك في بعضها نسب إلى السبب القريب ، وفي بعضها نسب إلى السبب البعيد .

وَأَمَّا عَادٞ فَأُهۡلِكُواْ بِرِيحٖ صَرۡصَرٍ عَاتِيَةٖ٦

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

شرح المفردات : والصرصر : الشديدة الصوت التي لها صرصرة ، عاتية : أي بالغة منتهى القوة والشدة ، سخرها عليهم : أي سلطها عليهم ، حسوما : أي متتابعة واحدها حاسم ، والحسم : القطع والاستئصال ؛ وسمي السيف حساما لأنه يحسم العدو عما يريد من عداوته ، وصرعى : واحدهم صريع أي ميت ، وأعجاز : واحدها عجز ، وهو الأصل ، وخاوية : أي خالية الأجواف لا شيء فيها ، والباقية : البقاء .

( 2 ) { وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية* سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما } أي وأما عاد فأهلكوا بريح مهلكة عتت عليهم بلا شفقة ولا رحمة ، فما قدروا على الخلاص منها بحيلة : من استتار ببناء ، أو لياذ بجبل ، أو اختفاء في حفرة ، فقد كانت تنزعهم من مكانهم وتهلكهم ، وقد دامت سبع ليال وثمانية أيام بلا انقطاع ولا فتور .

ثم ذكر نتائجها فقال :

{ فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية* فهل ترى لهم من باقية } أي فترى قوم عاد في تلك السبع الليالي والثمانية الأيام المتتابعة صرعى هالكين ، كأنهم أصول نخل متآكلة الأجواف لم يبق منهم ولا من نسلهم أحد ، وجاء في آية أخرى : { فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم } [ الأحقاف : 25 ] .

سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى ٱلۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ٧
فَهَلۡ تَرَىٰ لَهُم مِّنۢ بَاقِيَةٖ٨

page 567

وَجَآءَ فِرۡعَوۡنُ وَمَن قَبۡلَهُۥ وَٱلۡمُؤۡتَفِكَٰتُ بِٱلۡخَاطِئَةِ٩

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

شرح المفردات : والمؤتفكات : أي المنقلبات وهي قرى قوم لوط ، جعل الله عاليها سافلها بالزلزلة ، والخاطئة : الخطأ .

( 3 ) { وجاء فرعون ومن قبله والمؤتفكات بالخاطئة } أي وجاء فرعون ومن تقدمه من الأمم التي كفرت بآيات الله كقوم نوح وعاد وثمود والقرى التي ائتفكت بأهلها ، وصار عاليها سافلها ، بسبب خطيئتها ومعصيتها .

فَعَصَوۡاْ رَسُولَ رَبِّهِمۡ فَأَخَذَهُمۡ أَخۡذَةٗ رَّابِيَةً١٠

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

شرح المفردات : رابية : من ربا الشيء إذا زاد أي الزائدة في الشدة ، وطغى الماء : تجاوز حده وارتفع ، حملناكم : أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم ، والجارية : السفينة التي تجري في الماء : وتعيها : أي تحفظها ، وتقول لكل ما حفظته في نفسك : وعيته : وتقول لكل ما حفظته في غير نفسك : أوعيته ؛ فيقال أوعيت المتاع في الوعاء قال : " والشر أخبث ما أوعيتَ من زادَ " .

ثم بين هذه الخطيئة بقوله :

{ فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية } أي فعصى هؤلاء الذين تقدم ذكرهم رسل الله الذين أرسلوا إليهم ، فأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، وأذاقهم وبال أمرهم بعقوبة زائدة على عقوبة سائر الكفار ، كما زادت قبائحهم على قبائح غيرهم ونحو الآية قوله : { كل كذب الرسل فحق وعيد } [ ق : 14 ] .

إِنَّا لَمَّا طَغَا ٱلۡمَآءُ حَمَلۡنَٰكُمۡ فِي ٱلۡجَارِيَةِ١١

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

شرح المفردات : طغى الماء : تجاوز حده وارتفع ، حملناكم : أي حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم ، والجارية : السفينة التي تجري في الماء .

{ إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية } أي إنا لما ارتفع الماء ، وجاوز الحد وجاء الطوفان حملنا آباءكم من مؤمني قوم نوح في السفينة ، لننجيهم من الغرق الذي عم هؤلاء الكافرين جميعا .

والمشهور أن الناس كلهم من سلائل نوح وذريته .

لِنَجۡعَلَهَا لَكُمۡ تَذۡكِرَةٗ وَتَعِيَهَآ أُذُنٞ وَٰعِيَةٞ١٢

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 1

شرح المفردات : وتعيها : أي تحفظها ، وتقول لكل ما حفظته في نفسك : وعيته : وتقول لكل ما حفظته في غير نفسك : أوعيته ؛ فيقال أوعيت المتاع في الوعاء قال : " والشر أخبث ما أوعيتَ من زادَ " .

ثم ذكر ما في هذه النجاة من العبرة فقال :

{ لنجعلها لكم تذكرة } أي لنجعل نجاة المؤمنين ، وإغراق الكافرين عظة وعبرة ، لدلالتها على كمال قدرة الصانع وحكمته ، وسعة رحمته .

{ وتعيها أذن واعية } أي وتفهمها أذن حافظة سامعة عن الله ، فتنتفع بما سمعت من كتابه ولا تضيع العمل بما فيه .

روي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لعليّ : ( إني دعوت الله أن يجعلها أذنك يا علي ) قال علي كرم الله وجهه : فما سمعت شيئا فنسيته ، وما كان لي أن أنسى .

فَإِذَا نُفِخَ فِي ٱلصُّورِ نَفۡخَةٞ وَٰحِدَةٞ١٣

{ فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة ( 13 ) وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة ( 14 ) فيومئذ وقعت الواقعة ( 15 ) وانشقت السماء فهي يومئذ واهية ( 16 ) والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية ( 17 ) يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية } [ الحاقة : 13- 18 ] .

شرح المفردات : نفخة واحدة : هي النفخة الأولى .

الإيضاح : { فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة } أي فإذا نفخ إسرافيل النفخة الأولى التي عندها خراب العالم .المعنى الجملي : بعد أن قص هذه القصص الثلاثة ، ونبه بها على ثبوت القدرة والحكمة ، وبها ثبت إمكان وقوع يوم القيامة- شرع يذكر تفاصيل أحوال هذا اليوم وما يكون فيه من أهوال .

وَحُمِلَتِ ٱلۡأَرۡضُ وَٱلۡجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةٗ وَٰحِدَةٗ١٤

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 13

شرح المفردات : حملت الأرض والجبال : أي رفعت من أماكنها ، فدكتا دكة واحدة : أي ضرب بعضها ببعض حتى اندقت وصارت كثيبا مهيلا .

{ وحملت الأرض والجبال } أي رفعت من أماكنها ، ولا ندري كيف رفعت فذلك من أنباء الغيب ، فقد يكون ذلك بريح يبلغ من قوة عصفها أن تحملهما ، أو أن ملكا يحملهما ، أو بقدرة الله من غير سبب ظاهر ، أو بمصادمة بعض الأجرام كذوات الأذناب ، فتنفصل الجبال وترتفع من شدة المصادمة ، وترتفع الأرض من حيزها .

{ فدكتا دكة واحدة } أي فضرب بعضهما ببعض ضربة واحدة حتى تقطعت أوصالهما ، وصارتا كثيبا مهيلا ، وهباء منبثا لا يتميز شيء من أجزائهما عن الآخر .

فَيَوۡمَئِذٖ وَقَعَتِ ٱلۡوَاقِعَةُ١٥

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 13

شرح المفردات : الواقعة : النازلة وهي يوم القيامة ، انشقت السماء : أي فتحت أبوابا ، واهية : أي مسترخية ضعيفة القوة ، من قولهم : وهي السقاء إذا انخرق ، ومن أمثالهم قول الراجز :

خل سبيل من وهى سقاؤه *** ومن هريق بالفلاة ماؤه

أرجائها : أي جوانبها ، واحدها رجا ، ثمانية : أي ثمانية أشخاص ، خافية : أي سريرة .

{ فيومئذ وقعت الواقعة } أي فحينئذ تقوم القيامة .

وَٱنشَقَّتِ ٱلسَّمَآءُ فَهِيَ يَوۡمَئِذٖ وَاهِيَةٞ١٦

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 13

شرح المفردات : الواقعة : انشقت السماء : أي فتحت أبوابا ، واهية : أي مسترخية ضعيفة القوة ، من قولهم : وهي السقاء إذا انخرق ، ومن أمثالهم قول الراجز :

خل سبيل من وهى سقاؤه *** ومن هريق بالفلاة ماؤه

{ وانشقت السماء فهي يومئذ واهية } أي وتصدعت السماء لأنها يومئذ ضعيفة المُنّة كالعهن المنفوش ، بعد أن كانت شديدة الأسر عظيمة القوة .

وَٱلۡمَلَكُ عَلَىٰٓ أَرۡجَآئِهَاۚ وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ١٧

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 13

شرح المفردات : أرجائها : أي جوانبها ، واحدها رجا ، ثمانية : أي ثمانية أشخاص ، خافية : أي سريرة .

{ والملك على أرجائها } أي والملائكة على جوانب السماء ينظرون إلى أهل الأرض ، ولا ندري كيف ذلك ، ولا الحكمة فيه ، فندع تفصيل ذلك ونؤمن به كما جاء في الكتاب ولا نزيد عليه .

{ ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية } أي ويحمل عرش بك حينئذ فوق رؤوسهم ثمانية من الملائكة .

يَوۡمَئِذٖ تُعۡرَضُونَ لَا تَخۡفَىٰ مِنكُمۡ خَافِيَةٞ١٨

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 13

شرح المفردات : خافية : أي سريرة .

{ يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية } أي فيومئذ تحاسبون وتسألون ، لا يخفى على الله شيء من أموركم ، فإنه تعالى عليم بكل شيء ، لا يعزب عنه شيء في الأرض ولا في السماء ، كما جاء في آية أخرى : { لا يخفى على الله منهم شيء } [ غافر : 16 ] .

وفي هذا تهديد شديد ، وزجر عظيم ، ومبالغة لا تخفى ، وفضيحة للكافرين ، وسرور للمؤمنين بظهور ما كان خفيا عليهم من أعمالهم ، وبذلك يتكامل حبورهم وسرورهم .

والتعبير بالعرض تشبيه بعرض السلطان لعسكره ، ليعرف أحوالهم ، وفي هذا العرض إقامة للحجة ، ومبالغة في إظهار العدل .

أخرج الإمام أحمد وعبد بن حميد والترمذي وابن ماجة وابن مردويه عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات ، فأما عرضتان فجدال ومعاذير ، وأما الثالثة فعند ذلك تطاير الصحف في الأيدي ، فآخذ بيمينه وآخذ بشماله ) .

فَأَمَّا مَنۡ أُوتِيَ كِتَٰبَهُۥ بِيَمِينِهِۦ فَيَقُولُ هَآؤُمُ ٱقۡرَءُواْ كِتَٰبِيَهۡ١٩

{ فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه ( 19 ) إني ظننت أني ملاق حسابيه ( 20 ) فهو في عيشة راضية ( 21 ) في جنة عالية ( 22 ) قطوفها دانية ( 23 ) كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية } [ الحاقة : 19-24 ] .

شرح المفردات : هاؤم : أي خذوا .

الإيضاح : { فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه } أي فأما من أعطى كتابه بيمينه فيقول : تعالوا اقرؤوا كتابي فرحا به ، لأنه لما أوتيه باليمين علم أنه من الناجين الفائزين بالنعيم ، فأحب أن يظهره لغيره حتى يفرحوا بما نال .المعنى الجملي : بعد أن ذكر أنهم يعرضون على الله ولا يخفى عليه شيء من أعمالهم- فصل أحكام هذا العرض ، فأخبر بأن من يؤتي كتابه بيمينه يشتد فرحه حتى يقول لكل من لقيه : خذ كتابي واقرأه ، لأنه يعلم ما فيه من خير وفضل من الله ، ويقول : إني كنت أعلم أن هذا اليوم آت لا ريب فيه ، وإني سأحاسب على ما أعمل ، وحينئذ يكون جزاؤه عند ربه جنة عالية ذات ثمار دانية ، ويقال له ولأمثاله : كلوا واشربوا هنيئا بما قدمتم لأنفسكم في الدنيا .

إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَٰقٍ حِسَابِيَهۡ٢٠

كلام للمؤلف في آيات المقطع له صلة: الآية 19

شرح المفردات : ظننت : أي علمت ، ملاق : أي معاين .

ثم ذكر العلة في حسن حاله فقال :

{ إني ظننت أني ملاق حسابيه } أي إني فرح مسرور ، لأني علمت أن ربي سيحاسبني حسابا يسيرا ، وقد حاسبني كذلك ، فالله عند ظن عبده به .

قال الضحاك : كل ظن في القرآن من المؤمن فهو يقين ، ومن الكافر فهو شك وقال مجاهد : ظن الآخرة يقين ، وظن الدنيا شك .

وقال الحسن في الآية : إن المؤمن أحسن الظن بربه فأحسن العمل للآخرة ، وإن الكافر أساء الظن بربه فأساء العمل لها .