تفسير القرآن للمراغي

المراغي القرن الرابع عشر الهجري
Add Enterpreta Add Translation

صفحة 1

ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَٰلَمِينَ ٢

{ الحمد لله رب العالمين { 2 } الرحمان الرحيم { 3 } مالك يوم الدين { 4 } إياك نعبد وإياك نستعين { 5 } اهدنا الصراط المستقيم { 6 } صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين { 7 } } .

الإيضاح

{ الحمد لله رب العالمين } الحمد لغة هو المدح على فعل حسن صدر عن فاعله باختياره سواء أسداه إلى الحامد أو إلى غيره .

والمدح يعم هذا وغيره فيقال مدح المال ، ومدح الجمال ، ومدح الرياض .

والثناء يستعمل في المدح والذم على السواء ، فيقال أثنى عليه شرا ، كما يقال أثنى عليه خيرا .

والشكر هو الاعتراف بالفضل إزاء نعمة صدرت من المشكور بالقلب أو باللسان أو باليد أو غيرها من الأعضاء كما قال شاعرهم :

أفادتكم النعماء مني ثلاثة *** يدي ولساني والضمير المحجبا

يريد أي يدي ولساني وقلبي لكم ، فليس في القلب إلا نصحكم ومحبتكم ، ولا في اللسان إلا الثناء عليكم ومدحكم ، ولا في اليد وسائر الجوارح والأعضاء إلا مكافأتكم وخدمتكم .

وورد في الأثر –الحمد رأس الشكر ، ما شكر الله عبد لم يحمده . وقد جعله رأس الشكر ، لأنه ذكر النعمة باللسان والثناء على من أسداها ، يشهرها بين الناس ويجعل صاحبها القدوة المؤتسي به ، أما الشكر بالقلب فهو خفي قل من يعرفه ، وكذلك الشكر بالجوارح منهم لا يستبين لكثير من الناس .

{ لله } هو المعبود بحق لم يطلق على غيره تعالى .

{ رب } هو السيد المربي الذي يسوس من يربيه ويدبر شئونه .

وتربية الله للناس نوعان ، تربية خلقية تكون بتنمية أجسامهم حتى تبلغ الأشد وتنمية قوامهم النفسية والعقلية –وتربية تهذيبية تكون بما يوحيه إلى أفراد منهم ليبلغوا للناس ما به تكمل عقولهم وتصفو نفوسهم –وليس لغيره أن يشرع للناس عبادة ولا أن يحل شيئا ويحرم إلا بإذن منه .

ويطلق الرب على الناس فيقال رب الدار ، ورب هذه الأنعام كما قال تعالى حكاية عن يوسف صلوات الله عليه في مولاه عزيز مصر { إنه ربي أحسن مثواي } وقال عبد المطلب يوم الفيل لأبرهة قائد النجاشي : أما الإبل فأنا ربها ، وأما البيت فإن له ربا يحميه .

{ العالمين } واحدهم عالم { بفتح اللام } ويراد به جميع الموجودات ، وقد جرت عادتهم ألا يطلقوا هذا اللفظ إلا على كل جماعة متمايزة لأفرادها صفات تقر بها من العقلاء إن لم تكن منهم ، فيقولون عالم الإنسان ، وعالم الحيوان وعالم النبات ، ولا يقولون عالم الحجر ، ولا عالم التراب ، ذاك أن هذه العوالم هي التي يظهر فيها معنى التربية الذي يفيده لفظ { رب } إذ يظهر فيها الحياة والتغذية والتوالد .

والخلاصة –إن كل ثناء جميل فهو لله تعالى إذ هو مصدر جميع الكائنات .

وهو الذي يسوس العالمين ويربيهم من مبدئهم إلى نهايتهم ويلهمهم ما فيه خيرهم وصلاحهم ، فله الحمد على ما أسدى ، والشكر على ما أولى : { الرحمان الرحيم .