وصرح بموضوع الدعاء فقال : { وإني خفت الموالي من روائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا 5 } ، هذه الجملة حالية ، والواو واو الحال ، والمعنى أنه في الحال الذي وهن العظم واشتعل الرأس شيبا ودنا الموت { خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا } ، والموالي هم الحواشي والعصبات من قرابته ، وسموا موالي ، لأنهم الذين يلونه على ما يترك من علم ونبوة والأموال التي تورث من بعده ، وقوله : { من ورائي } إما أن يتعلق بالموالي ويكون ظاهر القول إني خفت الموالي الذين يجيئون من ورائي ، وإما أن يتعلق ب{ خفت } ويكون ظاهر المعنى : إني خفت من بعد موتي الموالي الذين يجيئون ، والمؤدي في التقديرين واحد .ولماذا خاف الموالي ؟ قيل : لأنهم لم يكونوا أمناء على تركته من بعده إذ كانوا عصاة مسرفين ، أو لأنهم قلة ، وعلى هذا قرئت ( خفت ) بفتح الخاء وتشديد الفاء وسكون التاء ويكون طلب الولد لينضم إليه ، وقد ورد هنا اعتراضان :
الاعتراض الأول : أنه في الأثر : "إننا معشر الأنبياء لا نورث"[1461] .
الاعتراض الثاني : أنه إذ يطلب الولد يرثه إنما يعترض على تقسيم الله تعالى للميراث ويستكثر على الموالي ما يأخذوه .
والجواب عن الاعتراض الأول : أن هذا الأثر كان بالنسبة للنبي ، وإلا فقد ورث سليمان داوود –عليهما السلام – أو على أنه غالب أمرهم ، أو على أن الوراثة هي وراثة العلم والنبوة ولكن ذلك بعيد .
وأما الجواب عن الاعتراض الثاني : فهو أنه لا مضارة في الوراثة ، وإنما أراد أن يضم إليهم في تحمل أعباء العلم الذي حمله زكريا ، ويؤيد ذلك قراءة خفت بفتح الخاء وتشديد الفاء ، والمرأة العاقر التي لا تلد ، وقوله : { وكانت امرأتي عاقر } ، أي ثبت عقرها ودوامه يدل عليه التعبير ب"كان" الدالة على الدوام والاستمرار ، أي أنه لا أصل له في الولادة كبره وعقمها ، ولكن رجاؤه من الله تعالى مسبب الأسباب ، ولذا قال متجها إليه ، لأنه فوق الأسباب الظاهرة { فهب لي من لدنك وليا } ( الفاء ) لبيان ترتيب ما بعدها على ما قبلها ، فهو مترتب على رجائه في الله تعالى ، وترك الرجاء من جهة الأسباب العادية وكان التعبير ب ( هب ) ، أي أنه هبة مجردة من فضلك وإرادتك أنت الفاعل المختار ، وكان قوله { من لدنك } تأكيد بأنه من قبل الله تعالى لا دخل للأسباب العادية فيه ، بل إنه خرق لهذه الأسباب .
{ وليا } ، أي يليني ويخلفني في مالي وما أوتيت من علم وحكم وحكمة .