زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة

أبو زهرة القرن الرابع عشر الهجري
Add Enterpreta Add Translation

صفحة 1

صِرَٰطَ ٱلَّذِينَ أَنۡعَمۡتَ عَلَيۡهِمۡ غَيۡرِ ٱلۡمَغۡضُوبِ عَلَيۡهِمۡ وَلَا ٱلضَّآلِّينَ ٧

{ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ }

هذا بيان للصراط المستقيم ، أي المستوى الذي لا اعوجاج فيه ، وهو معبد لا يقف السائر فيه بعثرة يعثرها و لا بحجارة تدعثره ، فإعراب { صراط الذين أنعمت عليهم } بدل من { الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ } ، يعمل فيها عامله { اهدِنَا } فمعنى النص الكريم اهدنا طريق الذين أنعمت عليهم .

وأصل النعمة ما يستلذه الإنسان أو يستطيبه ، ولكنها هنا تفسر بأنها المنفعة التي تدوم ، ويستطيبها القلب ، سواء أكانت عاجلة أم آجلة ، وسواء أكانت دنيوية أم كانت أخروية ، وسواء أكانت مادية أم كانت روحية ، وإن نعم الله تعالى على عباده لا يحصيها العد ولا يحيط بها الحصر ، كما قال تعالى : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا . . . 34 } [ إبراهيم ] فهناك نعمة الخلق الإنساني القويم والتكوين الجسمي السليم الذي يوجد أحيانا الغرور عند غير المؤمنين ، كما قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ 6 الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ 7 فِي أَيِّ صُورَةٍ مَّا شَاء رَكَّبَكَ 8 } [ الانفطار ] .

ومن النعم أن يمكنه من زخارف الحياة من لباس حسن يلبسه ، وزخرفة باهرة يزخرف بها مسكنه ، وطيب رائحة يطيب بها نفسه ، ويقبل بها على جمعه ، فهذه نعم ظاهرة و باطنة ، فإن آمن بالنعم وشكر له ، فإنها نعمة ، وإن غره الغرور ، وفاخر بها ، واستطال على الناس فإنها عند الله النقمة .

و من النعم أن يحس بإشراق النفس و إخلاص القلب ، و الاتجاه إلى الله تعالى ، وأن يكون مستقيم الفكر ، نير المدارك ، ولا يضل ، بل يهتدي بما أنعم ، ومن النعم نعمة الإخلاص في القول والصدق فيه ، وأن يعمل العمل ، لا يعمله إلا لله ، وأن يراقب الله في سره وجهره وعمله ، حتى يصدق عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله )[24] .

إذا كان المؤمن كذلك يكون ممن هداه الله إلى صراط الذين أنعم عليهم ، كما قال تعالى : { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا 69 } [ النساء ] .

{ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ } المغضوب عليهم هم الذين ينزل عليهم غضب الله ، ووراء غضبه عذابه إلا أن يتغمدهم الله برحمته فيتوبوا ، والتوبة تجب ما قبلها ، وبذلك لا يكون من المغضوب عليهم ، بل ينخلعون منهم ، وإنما الأعمال بخواتمها ، وإنما المغضوب عليهم هم من انتهوا إلى ألا يتوبوا ، وألا ينتهوا عما يوجب غضب الله تعالى .

والذين ينطبق عليهم غضب الله تعالى لدوام شرهم ، وبقاء فسادهم حتى يلقوا ربهم ، وهم على هذه الحال – الكافرون سواء أكانوا وثنيين ، وكثير ما هم في الماضي والحاضر ، أم كانوا من الذين أوتوا الكتاب كاليهود – لعنهم الله – ونصارى بولس الذين يعبدون المسيح ، وهو بريء منهم ، هؤلاء هم المغضوب عليهم ولا ريب في نزول غضب الله تعالى بهم إلى يوم القيامة { غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم . . . 14 } [ المجادلة ] .

والضالون قال بعض العلماء إنهم النصارى لقوله تعالى : { قَدْ ضَلُّواْ مِن قَبْلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرًا وَضَلُّواْ عَن سَوَاء السَّبِيلِ 77 } [ المائدة ] وإنه لينطبق عليهم بلا ريب وصف الضالين ؛ لأنهم عند تخليهم عن مبادئ المسيح أضلهم بولس وأشباهه ، فضلوا ، ثم أضلوا غيرهم من بعدهم ، وكفروا بما جاء به المسيح ، وضلوا ضلالا بعيدا ، وكفروا ، ولا يزالون يتيهون في أوهامهم ، كما توهموا وأوهموا فيما سموه رؤية العذراء ، وكذبوا وافتروا ، وحاولوا الإضلال كثيرا .

ومع انطباق الضلال والتضليل عليهم أولى بهم ثم أولى أن يكونوا ممن غضب الله تعالى عليهم ، فغضب الله تعالى يحيط بهم من كل جانب ؛ ولذلك نرى أن يدخلوا فيمن غضب الله تعالى عليه ، ويصح أن نقول : إن فيهم الأمرين ، فهم مغضوب عليهم وهم يضلون ، ويضلون كثيرا إلى اليوم كما رأيت في أمر العذراء .

والضالون كما تدل الآية الكريمة هم الذين في حيرة من أمر اعتقادهم ، لا يهتدون إلى عقيدة يطمئنون إليها ويستقرون عليها ، وليسوا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء . . ولقد قيل أنهم المنافقون الذين ينطبق عليهم ذلك الوصف ، وتلك الحال المضطربة . ولقد يكون ذلك من ناحية حالهم قريبا في ذاته ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وصفهم بالاضطراب والحيرة ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين غنمين ، إلى أيهما تذهب )[25] ، فالمنافق ضال حائر ، لا يستقر على قرار ، ولا يطمئن إلى إيمان أو كفر ، والمنافقون كما وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله :{ مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء . . . 143 } [ النساء ] .

وهم أيضا موضع غضب الله تعالى ؛ لأنهم كفار كإخوانهم المغضوب عليهم ، ولكنهم اختصوا بأنهم ليس لهم اعتقاد ، فالمشركون لهم اعتقاد باطل ، وكذلك النصارى واليهود يعتقدون اعتقادا باطلا ليس لهم سلطان ولا حجة في اعتقادهم .

وقراءة الفاتحة مطلوبة في الصلاة بحيث لا تكمل الصلاة إلا بها بيد أنها فرض عند الشافعي لا تصح الصلاة إلا بها ، وكذلك الجمهور لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب )[1] ؛ ولذلك سميت الصلاة ، كما ذكرنا من قبل ؛ لأن الصلاة ملازمة لها ، ومن المجاز المرسل أن يسمى اللازم باسم الملزوم ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ما عرف أنه ترك قراءة الفاتحة . وعند أبي حنيفة رضي الله عنه الفاتحة واجبة ، والواجب عند الحنفية دون الفرض ؛ لأن الفرض ما ثبت طلبه حتما بدليل قطعي لا شبهة فيه . والواجب ما ثبت طلبه الحتمي بدليل ظني فيه شبهة ، والفرض في الصلاة بالنسبة للقراءة قراءة ما تيسر من القرآن لقوله تعالى : { فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ . . . 20 } [ المزمل ] ؛ ولذلك لو ترك الفاتحة وقرأ أي قدر من القرآن تصح صلاته ، وإن كانت غير كاملة ؛ لأن الفاتحة تعينت للوجوب بدليل ظني فيه شبهة ، وهو حديث الآحاد .

( آمين ) يجب النطق بها عقب قراءة الفاتحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( وعلمني جبريل آمين عند فراغي من قراءة الفاتحة ) ، وقال : ( إنه كالختم على الكتاب )[2] ، فقد روى أن عليا كرم الله تعالى وجهه قال : ( آمين خاتم رب العالمين )[3] روى عن وائل ابن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ولا الضالين آمين )[4] ، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين )[5] .

وهكذا جاءت الأخبار عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بذكر آمين من المأمومين عندما يقرأ الإمام { وَلاَ الضَّالِّينَ } ، والمنفرد ينطق بها ، وبذلك قال جمهور الفقهاء ، وروي أن أبا حنيفة لم يلتزم بقولها ، وروي عنه أنه يخفت بها ولا يجهر عند قول الإمام ولا الضالين ، ومهما يكن ما روي بالنسبة لها من أخبار فإن المجمع عليه أنها ليست من القرآن فهي زيادة بطلب إجابة الدعاء الذي اشتملت عليه فاتحة الكتاب من الضراعة والاستعانة وطلب الهداية ، فهي اسم فعل بمعنى استجب .

وإنما أجمع على أنها ليست من القرآن لأنها ليست بين دفتي المصحف كالبسملة ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم مع طلبها لم يذكر أنها قرآن ولا من القرآن .

ورد أنه عليه الصلاة والسلام قال لأبي بن كعب ( ألا أخبرك بسورة لم تنزل في التوراة والإنجيل والقرآن مثلها ) ، قال : قلت : بلى يا رسول الله قال : ( إنها الفاتحة وإنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته )[6] .