لما بالغ في تهويل القيامة وذكر مآل المكذبين بها عاد إلى شرحها فقال : { فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة 13 وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة 14 فيومئذ وقعت الواقعة 15 وانشقت السماء فهي يومئذ واهية 16 والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية 17 يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية 18 فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرءوا كتابيه 19 إني ظننت أني ملاق حسابيه 20 فهو في عيشة راضية 21 في جنة عالية 22 قطوفها دانية 23 كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية 24 } .
{ فإذا نفخ في الصور } عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الصور قرن ينفخ فيه )[5145] رواه الترمذي وأبو داود والدارمي { نفخة واحدة } أحسن إسناد الفعل إلى المصدر لتقييده حسن تذكيره للفصل والمراد بها نفخة الصعق . واختلفوا في عدد النفخات ؟ فقيل : ثلاث نفخات نفخة الفزع ونفخة الصعق ونفخة البعث لقوله تعالى : { ويوم ينفخ في الصور ففزع من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ، وكل أتوه داخرين 87 }[5146] { ونفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون 68 }[5147] واختار هذا القول ابن العربي وكذا ورد صريحا في حديث طويل عن أبي هريرة بلفظة ( فينفخ فيه ثلاث نفخات الأولى نفخة الفزع والثانية نفخة الصعق والثالثة نفخة القيام لرب العالمين ) رواه ابن جرير في تفسيره والطبراني في المطولات وأبو يعلى في مسنده والبيهقي في البعث وغيرهم . وقيل : بل نفختان فقط ونفخة الفزع نفخة الصعق لأن الأمرين متلازمان أي فزعوا فزعا ماتوا عنه وهذا القول صححه القرطبي واستدل بأنه استثنى في نفخة الفزع كما استثنى في نفخة الصعق فدل على أنهما واحد في أكثر الأحاديث ذكر اثنتين فقط وما بينهما أربعون عاما والحديث الطويل في إسناده من تكلم فيه واختلف الناس في تصحيحه فصححه ابن العربي والقرطبي وضعفه البيهقي وعبد الحق ومدار هذا الحديث على إسماعيل بن رافع قاضي المدينة وقد تكلم فيه قال السيوطي في بعض سياقه نكارة وقد قيل إنه جمعه من طرق وأماكن متفرقة مسلمة سياقا واحدا والله تعالى أعلم . والمراد بالظرف أعني قوله تعالى : إذا نفخ الزمان الطويل الذي سماه الله تعالى في كتابه بالحاقة والقارعة والقيامة والواقعة وغيرها من الأسماء الكثيرة وابتداء ذلك الزمان النفخة الأولى وانتهائه دخول أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، أخرج ابن عساكر عن زياد ابن مخراق قال : سأل الحجاج عكرمة مولى ابن عباس عن يوم القيامة أمن الدنيا هو أو من الآخرة قال صدر ذلك من الدنيا وآخره من الآخرة فعلى هذا جاز إضافة ذلك الزمان إلى النفخ في الصور النفخة الأولى وإلى كل ما وقع في ذلك اليوم من الصعق والنشور والحسنات والشقاق السماوات وانتشار الكواكب ودخول الجنة والنار وغير ذلك فقوله تعالى : { فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة 13 } بيان لابتداء ذلك الوقت وقوله تعالى : { فهو في عيشة راضية 21 } إلى آخره وقوله تعالى : { خذوه فغلوه 30 } إلى آخره كلاهما بيان للانتهاء به .