زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة

أبو زهرة القرن الرابع عشر الهجري
Add Enterpreta Add Translation

page 305

كٓهيعٓصٓ١

تمهيد :

هذه السورة مكية ، وقيل أن آيتي 58 ، 71 مدنيتان ، وعدد آياتها ثمان وتسعون آية . وقد ابتدأت هذه السورة الكريمة بذكر معجزات خارقة للعادة في الوجود الإنساني ، ذلك أن الفلسفة الأيونية كانت قائمة على أن الأسباب وعلاقتها بالمسببات لا تخالف قط حتى بنوا نظرية الألوهية على العلّيّة ، وقالوا : إن العالم نشأ عن الله تعالى نشوء العلة من المعلول من غير إرادة من الفاعل المختار ، فجاءت السورة في كثير من آياتها بما هو خرق لهذه النظرية . إن من أسباب الخلق أن الشيخ الكبير لا ينجب وأن المرأة العاقر لا تلد فإذا أنجب الرجل الهرم من عجوز عاقر ، فذلك خرق لنظرية الأسباب ، إذ يوجد الولد من عاقر عجوز لا تنجب ومن شيخ هرم لا ينسل .

وقد ابتدأت السورة الكريمة بذكر نبي الله زكريا{ ذكر رحمت ربك عبده زكريا 1 إذ نادى ربه نداء خفيا 3 قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا 4 وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا 5 يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا 6 } .

والله تعالى يجيب دعاءه فيقول سبحانه له : { يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا 7 } ولكن تأثره بمجرى الأسباب العادية يثير استغرابه فيقول : { أنّى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيّا 8 قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تلك شيئا 9 } .

ولكن الاستغراب لا يزال يتردد في نفسه فيقول : { رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا 10 } .

أعطاه ولدا من امرأة عاقر ، وكان ذلك خرقا للأسباب في عصر الأسباب ، وقد وهبه الله تعالى حبا وحنانا ، وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيّا .

ثم جاء بالمعجزة الكبرى الخارقة لمجرد الأسباب والمسببات وبيان أنها لا تلزم الفاعل المختار وهي خلق عيسى من غير أب من عذراء بتول فقال تعالى :{ واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا 16 } ونزل إليها روح القدس جبريل عليه السلام الذي شرفه الله تعالى بأن أضافه إليه { فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا 17 قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا 18 قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا 19 قالت أنّى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيّا 20 قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا 21 } .

جاءها المخاض وألجأها إلى جذع النخلة ، وجاءت الخوارق للعادة متوالية تعلن خرق نظرية الأسباب والمسببات ، فتهز جذع النخلة فتساقط رطبا جنيا والماء يجري من تحتها { فكلي واشربي وقرّي عينا فإما ترينّ من البشر أحدا فقولي إنّي نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا 26 } ولكنهم يجابهونها بما كانت تخشى يقولون : { يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا 28 } ، ولكن يجيء سر خارق للعادة يشير له الجميع ، وهو أن يتكلم من هو في المهد بالحكمة ، { فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا 29 قال إنّي عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا30 وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة مادمت حيا 31 وبرّا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا 32 والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا 33 } .

كان عيسى ابن مريم عليه السلام معجزة في الحمل به وفي ولادته وفي طفولته في المهد وهو مخلوق عبد الله تعالى ، وإذا كان وجوده على غير مجرى العادات فهو بخلقه أدل على قدرة الله تعالى من غيره وإذا عبده النصارى فمن جهلهم { ما كان لله أن يتّخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون 35 } ولكن من بعده اختلفت الفرق على نحل متباينة فويل لهم من مشهد يوم عظيم{ أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلال مبين 38 وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون 39 } .

ويجيء في السورة أخبار الأنبياء السابقين وما اقترن برسالتهم من معجزات وما جاءوا به من شرائع ، فابتدأ بقصة أبي العرب إبراهيم عليه السلام ، وفيها تتجلى محبة الأبناء للآباء فيريد لمحبته أباه أن يجنبه عبادة الأوثان ويدعوه إلى تركها فيقول : { يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا 44 يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا 45 } ويرده أبوه ردا جافيا فيضطر لاعتزاله وقلبه معلق بمحبته وطلبه الهداية له ، ويذهب به فرط محبته إلى أن يستغفر له ويقول : { سلام عليك سأستغفر لك ربي إنه كان بي حفيا } ، { فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا 49 } .

ثم ذكرت قصة موسى وكيف وهب الله من رحمته معه أخاه هارون نبيا ، ثم ذكر أخبار إسماعيل عليه السلام منفردا عن أولاد إبراهيم عليه السلام ، وفي هذا إشارة إلى أنه عمود نسب متفرع من إبراهيم عليه السلام وأنه سيكون منه محمد خاتم النبيين { واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا 45 } وترجع السورة في التاريخ فتشير إلى إدريس عليه السلام { إنه كان صديقا نبيا 56 ورفعناه مكانا عليا 57 } ، ويشير سبحانه إلى النبيين أجمعين : { أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرّوا سجدا وبكيا 58 } وقد أشار سبحانه إلى أن الخلاف جعل منهم الصالحين ، والذين أضاعوا الصلاة { فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّا 59 إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا 60 } وتفصل السورة الكريمة جزاء المتقين وعقاب الكافرين في بيان معجز ككل آيات القرآن وسوره .

وتجئ العبر في الآيات المختلفة الكثيرة ، فيذكر الناس بالبعث{ أولا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا 67 فوربّك لنحشرهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا 68 ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا 69 ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا 70 وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا 71 ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا 72 وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا 73 } .

ويضرب الأمثال للمشركين بالذين مضوا من الذين عادوا النبيين وأهلكهم الله ، وهم أحسن منهم أثاثا ورئيا .

ويبين الله اهتداء المهتدين وضلال الضالين : { قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يدعون إما العذاب وإما الساعة فسيعملون من هو شر مكانا وأضعف جندا 57 ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردّا 76 } .

وتشرح السورة الكريمة نفس الكافر وغروره : { أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا 77 أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا 78 } ، ثم بين سبحانه أن ذلك مكتوب عليه وأنه سيرث أعقاب هذا القول ، ويقول : { واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا 81 كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا 82 } .

ويبين سبحانه سيطرة الشياطين على الكافرين : { ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا 83 فلا تعجل عليهم إنما نعدّ لهم عدّا 84 } .

ويذكر الله الناس جميعا بما يكون يوم الآخرة ، { يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا 85 ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا 86 لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا 87 } .

وبين مقالة الكافرين { وقالوا اتخذ الرحمن ولدا 88 لقد جئتم شيئا إدا 89 تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا 90 أن دعوا للرحمن ولدا 91 وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا ، 92 إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا 93 لقد أحصاهم وعدهم عدا 94 وكلهم آتيه يوم القيامة فردا 95 } .

وختم السورة الكريمة ببيان المؤمنين ، وما كتب لهم من جزاء يوم القيامة ، فقال تعالى : { إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا 96 فإنما يسّرناه بلسانك لتبشر به التقين وتنذر به قوما لدّا 97 وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا 98 } .

وهكذا نجد السورة ابتدأت بأن الحكمة الله تعالى اقتضت أن يخلق يحيى عليه السلام من شيخ هرم امرأته عاقر ، ويخالف بذلك الأسباب والمسببات ، ثم يأتي سبحانه بخلق عيسى عليه السلام من غير أب ليكون وجوده عليه السلام معجزة ، وهو عبد من عباد الله ويختمها بالمعجزة الكبرى وهو القرآن ، { فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدّا 97 } .

معاني السورة الكريمة

قال الله تعالى :

{ كهيعص 1 ذكر رحمة ربك عبده زكريا 2 إذ نادى ربه نداء خفيّا 3 قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا 4 وإني خفت الموالي من وراءي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليّا 5 يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيّا 6 يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيي لم نجعل له من قبل سميّا 7 قال رب أنّى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيّا 8 قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا 9 قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا 10 فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا 11 يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا 12 وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا 13 وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا 14 وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا 15 }

هذا عصر كثرت فيه خوارق العادات ، لأنها كانت تصحيحا للعقول .وإزالة لفكرة خاطئة وقعت فيها الفلسفة التي كانت سائدة في هذا العصر ، وهي نظام الأسباب العادية ، وترتيب مسبباتها عليها ، وأنه هو النظام المطرد المستقر الذي لا يمكن تغييره ، وهو النظام الموجود ، حتى زعموا أن الله خلقت عنه الأشياء ، منفعلة بالعلية ، وأنه ليس باختيار من الله تعالى وإرادة ، فكل ما في الوجود ، جاء منفعلا عن علة وهو علة لغيره ، حتى يتوالى كله بنظام العِليّة ، فالأب عِلّة لوجود ابنه ، إذا كان قويا والأم علّة لوجود ولدها إذا كانت سليمة قوية ليست عاقرا .

وكان لا بد لتصحيح هذه الفلسفة ولبيان بطلانها أن تكون أشياء بغير أسبابها التي استقرت أفهامهم على أنها أسباب طبيعية لها ، وفي هذه السورة الكريمة كان أمران فيهما نقض لنظام الأسباب والمسببات يدل على أن الوجود خلق بإرادة مختار ، وأن الله تعالى فعال لما يريد :

الأمر الأول : ولادة عاقر وزوجها بلغ من الكبر عتيا .

الأمر الثاني : ولادة ولد من غير أب وإذا كانت الأولى فيها الولادة من أم غير صالحة للإنجاب ، فالثانية ولادة من أم لم يثبت عدم صلاحيتها للإنجاب ولكن من غير أب مطلقا صالحا للإنجاب أو غير صالح .

{ كهيعص 1 } .

قلنا في الحروف التي تبدأ بها بعض السور : إن معناها قد اختص به علم الله تعالى ، ولنا أن نتعرف الحكمة في ابتداء بعض السور بها ، وأشرنا إلى أنها تنبه لإعجاز القرآن ، وأنه مؤلف من الحروف التي يتألف منها كلامكم ومع ذلك عجزتم أن تأتوا بمثلها ، وأنها تنبه الأذهان للاستماع ، وقد كان المشركون تعاهدوا على ألا يسمعوا لهذا القرآن ويلغوا فيه : { وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون 26 } ( فصلت ) ، فإذا تليت عليهم تلك الحروف بغِنَّها ومدها نبهتهم فيستمعون إليها ، تهجم عليهم الآيات المفهومة المدركة ، فيستمعون إليها راغمين غير مختارين وهي أسماء للسور ، وذكر الكتاب .

ذِكۡرُ رَحۡمَتِ رَبِّكَ عَبۡدَهُۥ زَكَرِيَّآ٢

{ ذكر رحمة ربك عبده زكريا 2 } .

{ ذكر } خبر { كهيعص } وهذا يشير إلى أنها الكتاب أو بعضه ، و{ عبده } منصوبة بالرحمة ؛ لأن الرحمة مصدر بمعنى المرة من الرَّحْم ، ويصح أن يجعل مفعولا ل{ ذكر } ، على أن تكون إضافة الذكر إلى الرحمة من إضافة المصدر لفاعله ، وإنا نرى أن ذلك بعيد ويحتاج إلى تأويل ، وما لا تحتاج لتأويل أولى مما يحتاج لتأويل .

إِذۡ نَادَىٰ رَبَّهُۥ نِدَآءً خَفِيّٗا٣

وإن ذلك الذكر لهذه الرحمة في وقت نادى ربه بها ، ولذا قال تعالى :

{ إذ نادى ربه نداء خفيا 3 } .

أي دعاه دعاء الضارع الخاضع المتوكل ، الذي لا يرجو إلا ربه ، وعبر بالنداء لأنه طلب منه ، التجأ فيه إليه ، وهو طلب لشخصه ولأسرته ، وقد كان هذا الطلب في ذاته دعاء وعبادة ، كما قال تعالى : { . . .ادعوني أستجب لكم . . . 60 }( غافر ) ، ودعاه في خفاء ، ولذا قال سبحانه : { إذ نادى ربه نداء خفيا 3 } ، و{ خفيا } صفة مبالغة من خفي ، أي أنه بالغ في إخفاء دعاءه فلا يعلمه قومه ، ولأنه مناجاة لله وضراعة إليه ، وهو لا يلتجأ إلا إليه وحده : { واذكر ربّك في نفسك تضرّعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال . . . 205 } ( الأعراف ) ، وقال تعالى : { ادعوا ربكم تضرّعا وخفية إنه لا يحب المعتدين 55 } ( الأعراف ) ، وفي هذا إشارة إلى أن الدعاء تضرع وفي الجهر به اعتداء ؛ لأنه يكون فيه دعوة لغير الله وشكوى للناس من ربه .

قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ ٱلۡعَظۡمُ مِنِّي وَٱشۡتَعَلَ ٱلرَّأۡسُ شَيۡبٗا وَلَمۡ أَكُنۢ بِدُعَآئِكَ رَبِّ شَقِيّٗا٤

وموضوع النداء ، بينه بقوله تعالى عنه :

{ قال ربّ إنّي وهن العظم منّي واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا 4 وإنّي خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا 5 } .

{ وهن العظم } ، أي ضعف ، ووهن العظم دليل على وهن الجسم كله ، لأنه عمود الدين وبه قوامه ، وهو أصل بنائه ، فإذا وهن تداعى وتساقط سائر قوته ، ولأنه أشد ما فيه وأصلبه ، فإذا وهن كان ما وراءه أوهن منه ، كذا قال القرطبي في تفسيره[1460] .

ذكر أولا ما دل على الضعف الحقيقي ، ثم ذكر ما يدل ظاهرا على الضعف ، وهو أنه يعلوه الشيب فقال : { واشتعل الرأس } الاشتعال الانتشار ، و{ شيبا } تمييز محول عن الفاعل ، والمعنى اشتعل شيب الرأس ، أي انتشر الشيب فيه ، والاشتعال مع أنه بمعنى الانتشار إلا أنه غلب على انتشار النار .

وهنا نجد ثمة استعارة ، فقد شبه انتشار بياض الشيب باشتعال النار ، إذ يكون الشيب عند انتشاره لامعا كوهج النار ، ولأن فيه إفناء الشعر الأسود ، كما تحرق النار ما يكون حطبها ، ولأنه أمارة الفناء للعمر كما تفني النار ما تحرقه ، وأسند الشيب إلى الرأس مع أنه يكون في الشعر من قبيل اسم المحال وإرادة الحال ، إذ جلد الرأس هو منبت الشعر ويكون فيه ، وإن في هذا النص من البلاغ ما يليق بالقرآن الكريم أبلغ القول في الإنسانية كلها ، إذ هو كلام الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، فإن نسبة الاشتعال إلى الرأس ما يثير الاهتمام فيحاول العقل تعرف اشتعال الرأس فيجيء التمييز { شيبا } بما يفيد اشتعال الشعر ، ولم يذكر الشعر بل اكتفى بذكر محله .

وقال الله تعالى عن زكريا : { ولم أكن بدعائك رب شقيا } في هذه الجملة السامية الدلالة على رجائه من الله تعالى ، وفيها ذاتها ضراعة ، وعبر هنا بالدعاء ، وفي الأولى بالنداء للدلالة على أن النداء استغاثة وتلهف ورجاء ، ودعاء وعبادة وتقيّ ، وذكر { رب } في هذه لبيان أن نعمه سبحانه وتعالى موصولة دائما منذ خلقه إلى أن يبعثه نبيا ، و{ شقيا } بالأمر إذا تعب فيه ولم ينل ثمرته ، أو طرد من خير ، والمعنى لم أكن منذ خلقتني بدعائك محروما متعبا ، بل كانت نعمة واستجابة دعائي قائمة دائمة موصولة ، وفي نفي الشقاء في الدعاء ماضيا تأكيد للرجاء قابلا ، وأن ذلك من طرائق الاستجابة والرغبة فيها ، وإن ذكر النعمة الماضية شكر لها وإيذان لشكر فاعله .

وَإِنِّي خِفۡتُ ٱلۡمَوَٰلِيَ مِن وَرَآءِي وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا فَهَبۡ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيّٗا٥

وصرح بموضوع الدعاء فقال : { وإني خفت الموالي من روائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا 5 } ، هذه الجملة حالية ، والواو واو الحال ، والمعنى أنه في الحال الذي وهن العظم واشتعل الرأس شيبا ودنا الموت { خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا } ، والموالي هم الحواشي والعصبات من قرابته ، وسموا موالي ، لأنهم الذين يلونه على ما يترك من علم ونبوة والأموال التي تورث من بعده ، وقوله : { من ورائي } إما أن يتعلق بالموالي ويكون ظاهر القول إني خفت الموالي الذين يجيئون من ورائي ، وإما أن يتعلق ب{ خفت } ويكون ظاهر المعنى : إني خفت من بعد موتي الموالي الذين يجيئون ، والمؤدي في التقديرين واحد .ولماذا خاف الموالي ؟ قيل : لأنهم لم يكونوا أمناء على تركته من بعده إذ كانوا عصاة مسرفين ، أو لأنهم قلة ، وعلى هذا قرئت ( خفت ) بفتح الخاء وتشديد الفاء وسكون التاء ويكون طلب الولد لينضم إليه ، وقد ورد هنا اعتراضان :

الاعتراض الأول : أنه في الأثر : "إننا معشر الأنبياء لا نورث"[1461] .

الاعتراض الثاني : أنه إذ يطلب الولد يرثه إنما يعترض على تقسيم الله تعالى للميراث ويستكثر على الموالي ما يأخذوه .

والجواب عن الاعتراض الأول : أن هذا الأثر كان بالنسبة للنبي ، وإلا فقد ورث سليمان داوود –عليهما السلام – أو على أنه غالب أمرهم ، أو على أن الوراثة هي وراثة العلم والنبوة ولكن ذلك بعيد .

وأما الجواب عن الاعتراض الثاني : فهو أنه لا مضارة في الوراثة ، وإنما أراد أن يضم إليهم في تحمل أعباء العلم الذي حمله زكريا ، ويؤيد ذلك قراءة خفت بفتح الخاء وتشديد الفاء ، والمرأة العاقر التي لا تلد ، وقوله : { وكانت امرأتي عاقر } ، أي ثبت عقرها ودوامه يدل عليه التعبير ب"كان" الدالة على الدوام والاستمرار ، أي أنه لا أصل له في الولادة كبره وعقمها ، ولكن رجاؤه من الله تعالى مسبب الأسباب ، ولذا قال متجها إليه ، لأنه فوق الأسباب الظاهرة { فهب لي من لدنك وليا } ( الفاء ) لبيان ترتيب ما بعدها على ما قبلها ، فهو مترتب على رجائه في الله تعالى ، وترك الرجاء من جهة الأسباب العادية وكان التعبير ب ( هب ) ، أي أنه هبة مجردة من فضلك وإرادتك أنت الفاعل المختار ، وكان قوله { من لدنك } تأكيد بأنه من قبل الله تعالى لا دخل للأسباب العادية فيه ، بل إنه خرق لهذه الأسباب .

{ وليا } ، أي يليني ويخلفني في مالي وما أوتيت من علم وحكم وحكمة .

يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنۡ ءَالِ يَعۡقُوبَۖ وَٱجۡعَلۡهُ رَبِّ رَضِيّٗا٦

ثم قال تعالى في بيان معنى الولاية :

{ يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيّا 6 } .

الوراثة مترتبة على أنه ولي أو هو معنى ولايته عنه ، ولذا انفصلت عن الجملة السامية السابقة ، لأنها مترتبة عليها أو لأنها بمنزلة السبب ، وهذه بمنزلة المسبب ، وما الموروث ؟ قالوا : إن الوراثة تكون وراثة في الجسم والعقل والغرائز والصفات الفطرية وبعض المكتسبة ، كي تكون الوراثة في المال والعلم والحكمة والسجايا الفطرية ، وقد نفى بعض العلماء الوراثة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( نحن معشر الأنبياء لا نورث )[1462] ولكن الأكثر على أن الوراثة في المال بالنسبة لزكريا عليه السلام هي ثابتة ، ولعل ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم غالب ما عليه الأنبياء أو خاص بالمرسلين أصحاب الشرائع منهم كموسى وعيسى ونوح وإبراهيم -عليهم السلام- وإلى هذا نميل ، لأنه من المؤكد أنه ورث سليمان داوود بنص القرآن الكريم .

وقوله تعالى : { يرث من آل يعقوب } ، { من } هنا تدل على الابتداء ، أي يرث ميراثا من آل يعقوب .

هذا هو الطلب الأول الذي دعا ربه ضارعا إليه ، أما الطلب الثاني فهو أنه خصه بأن يكون مرضيا ، أي تكون سجاياه وأعماله وأخلاقه مرضية مستقيمة ، ولذا قال تعالى : { وجعله رب رضيا } ، { رضيا } هنا فعيل بمعنى مفعول ، أي اجعله مرضيا عندك ، أي أن أخلاقه وأفعاله وصفاته المكتسبة موضع رضا منك ، ولم يقل : وكن راضيا عنه ، لأنه يطلب ما يطلب في خلق الولي وتكوينه ، أي اجعله في تكوينه محاولا رضاك ، وأن ترضى عنه ، بحيث يتخذ الأسباب لينال رضاك أنت العليم الحكيم فلا يكون شقيا ، ولا يكون عصيا بل يكون رضيا منك ، ولم يقل : وكن راضيا عنه ، لأنه يطلب ما يطلب في خلق الولي وتكوينه ، أي اجعله في تكوينه محاولا رضاك ، وأن ترضى عنه ، بحيث يتخذ الأسباب لينال رضاك أنت العليم الحكيم فلا يكون شقيا ، ولا يكون عصيا بل يكون رضيا برا تقيا .

يَٰزَكَرِيَّآ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَٰمٍ ٱسۡمُهُۥ يَحۡيَىٰ لَمۡ نَجۡعَل لَّهُۥ مِن قَبۡلُ سَمِيّٗا٧

وإن الدعاء صادر من قلب خاشع ضارع ، ولذا استجاب سبحانه وكان الخارق للعادة فقال تعالى :

{ يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا 7 } .

ابتدأ الإجابة بندائه باسمه إدناء ، وعناية وإظهار المحبة واختصاصه ، وتمكينا لإجابته في ندائه الضارع ، وأردف ذلك النداء المقرب بقوله : { إنا نبشرك بغلام } ، { نبشرك } أضاف سبحانه التبشير إلى ذاته العلية ذاكرا بضمير المتكلم العظيم فوق كل عظمة الذي لا يتقيد بأسباب الناس وعاداتهم ، بل إنه الفعال لما يريد { بغلام اسمه يحيي } ، وتأكيد للتبشير سماه الله تعالى ، فسماه الله تعالى ، فسماه يحيى ، ولهذا الاسم مناسبة واضحة بالنسبة لأبويه ، فأبوه شيخ فان ، وكأنما رد إليه شبابه في حياة ولده فكان له إحياء ، وأمه عاقر ، كأنما خلق الله تعالى الحياة في رحم جف فلم يرب جنينا ، فكان منه الولد ، وذلك بلا ريب خرق للأسباب والمسببات العادية التي فرضها فلاسفة اليونان الذين قارنوا ظهور المسيح عليه السلام ومريم أمه ، وزكريا كافلها ، و{ لم نجعل له من قبل سميا } ، أي شبيها في خلاله وسجاياه ، فقد كان حصورا من الصالحين وليس له سمي ، فالتسمية من الله ، وقد سبق يحيى بها كل الأسماء التي سمى بها الرجال .

قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَكَانَتِ ٱمۡرَأَتِي عَاقِرٗا وَقَدۡ بَلَغۡتُ مِنَ ٱلۡكِبَرِ عِتِيّٗا٨

وهنا نجد نبي الله زكريا ، وقد وقف بين حالين : حال الإيمان بالله خالق الأسباب والمسببات الذي لا تقيد إرادته عادة ولا سبب أي سبب ، والحال التي تسود الناس ، وهي سيطرة الأسباب والمسببات العادية على تفكيرهم ، فبالأولى طلب ما طلب عالما أن الله تعالى فوق الأسباب والمسببات ، وبالثانية ثار عجبه ، ولذا قال تعالى عنه :

{ قال رب أنّى يكون لي غلام وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا 8 } .

الاستفهام ليس للاستنكار ، فكيف يستنكر نبي قدرة الله تعالى على الأشياء من غير وسائط وأسباب ، وهو خالق الوسائط والأسباب ، وإنما كان هذا السؤال للتنبيه إلى موضع الغرابة ، وليؤمن من لم يكن آمن بقدرة الله تعالى ، وأنه لا يحتاج في خلقه إلى وسائط وليسمع الناس بيان الله تعالى أنه هين عليه ، وأنه ليس بغريب من الله تعالى ، فقد خلق الإنسان ولم يك شيئا ، وأن الله تعالى غني عن الوسائط والأسباب ، وشكرا لنعمة الله في إجابة الدعاء فقد أجاب سبحانه مع ظهور ما يبعد الإجابة ، ولكن ليس على الله ببعيد .

وموضع البعد أنه شيخ فان قد تصلبت عظامه وصار كالحطام الذي لا تجري فيه الحياة ، فقد بلغ من الكبر عتيا ، وامرأته عاقر لم تنجب ولم يكن من شأن أمثالها في العادة أن تنجب ، وقوله : { وقد بلغت من الكبر عتيا } ، أي بلغت من كبر السن حدا صرت فيه صلب العظام معروق اللحم ، وقد قال الزمخشري في معنى كلمة ( عتي ) واشتقاقها :"أي بغلت عتيا وهو اليبس والجساوة في المفاصل والعظام كالعود القاحل ، ويقال : عتا العود من أجل الكبر والطعن في السن العالية ، أو بلغت من مدارح الكبر ومراتبه ما يسمى عتيا اه[1463] .

وأصل عتى عتوو . كسر ما قبل الواو الأولى فقلبت ثم اجتمعت الواو والياء وكانت إحداهما ساكنة فقلبت ياء وأدغمت الياء في الياء ، وقرئت { عتيا } بكسر العين وبضمها[1464] .

قَالَ كَذَٰلِكَ قَالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٞ وَقَدۡ خَلَقۡتُكَ مِن قَبۡلُ وَلَمۡ تَكُ شَيۡـٔٗا٩

أجاب الله تعالى زكريا بقوله :

{ قال كذلك قال ربك هو عليّ هيّن وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا 9 } .

{ كذلك } خبر لمبتدأ محذوف تقديره مثلا الأمر كذلك ، وقائل هذا هو الملك الذي تولى الوحي بين زكريا وربه ، أي قال الملك : الأمر كذلك ، فقد قدره الله تعالى ، وأحكم ما قدر ، ثم نقل عن الله تعالى قوله : { قال ربك هو علي هين } وعبر ب { ربّك } للإشارة إلى أنه خالقه ومربيه والقائم على كل أموره ، وأنه لا غرابة في أن يكون هذا من الحي القيوم { هو علي هين } ، الضمير { هو } يعود إلى { غلام } في قوله ، { أنّى يكون لي غلام } وهو يعود إلى الولد مع وجوب هذه الأحوال التي تجعله قريبا ، و{ هين } ، أي سهل لين لا يثير عجبا ولا استغرابا ، و{ هين } تشير إلى أنه لا غرابة فيه ، ثم ساق سبحانه بعد ذلك ما يدل على قربه ، فقال سبحانه : { وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا } ، وهذه مقدمة قياسية تزيل الغرابة وتبين أنه لا غرابة على قدرة الله تعالى ، وتقديره هذه المقدمة هكذا .

وقد خلقتك من قبل هذا ولم تك شيئا ، لأني خلقتك من عدم لا بعد شيء ، وإذا كان ذلك ممكنا وواقعا وقد وقع فبالأولى يكون الخلق من شيء ، وإن كان من أب شيخ وأم عاقر فهما شيء ، والخلق من شيء أقرب في الوجود من الخلق من عدم .

قَالَ رَبِّ ٱجۡعَل لِّيٓ ءَايَةٗۖ قَالَ ءَايَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ ٱلنَّاسَ ثَلَٰثَ لَيَالٖ سَوِيّٗا١٠

اطمأن زكريا الرسول إلى بشرى رب العالمين أو قوي اطمئنانه ، أو زالت الغرابة من نفسه وبقي أن يوثق البشرى :

{ قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا 10 } .

الآية هنا العلامة التي يعرف بها أن امرأته حملت ، وأن الولادة آتية لا ريب ، فإن الولد قرة عينه وإنه آت لا محالة لوعد الله تعالى به . وإن الله لا يخلف الميعاد { قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا } ، وقد قال تعالى في سورة آل عمران : { قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا واذكر ربك كثيرا وسبّح بالعشيّ والإبكار 41 } .

وقد ذكر الأيام في سورة آل عمران ، والليالي في سورة مريم ، للدلالة على أن العلامة هي ألا يكلم الناس ثلاثة أيام بلياليها ، وكان ذكر الليالي في هذه السورة لأنها مكية ، وما كان العرب الأميون في مكة يعرفون الأيام إلا بالليالي ، حيث يرون القمر فهو شهر الأميين ، والأيام الثلاثة قد حبس الله تعالى لسانه عن النطق ، فما كان يتكلم إلا بالإشارة ، كما قال تعالى في سورة آل عمران :

{ . . .ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزا . . . 41 } ، أي بالإشارة وأوضح الإشارات الكتابة ، وقوله تعالى : { سويا } حال من ضمير{ تكلم } ، أي سوي الخلق سليم الحواس ، أي وحاستك سليمة ، ولماذا كانت العلامة الدالة على وفاء الله ببشراه وتنفيذها بالفعل هي حبسه عن الكلام ثلاثة أيام متتابعة ، وهو سليم الحواس ؟ ، تلك إرادة الله تعالى ولا يعلم إرادة الله إلا الله سبحانه وتعالى ، وقد نتلمس معرفة بعض أسرار ذلك الحبس فنقول إنه سبحانه وتعالى قد أراد به العتب ، لذكر غرابة البشرى ، وقد يكون إعفاء لزكريا وامرأته من لجاجة القول عند الفضوليين من الناس ، وقد يكون للانصراف إلى العبادة والعكوف في منزله أو المسجد الأقصى ، قد يكون لذلك أو لغيره ، والعلم عند الله العليم الخبير . ولمّا تأكد مجيء الولد وكان على وشك المجيء ، كان التسبيح والتكبير هو شكر الله تعالى ، وكان ذلك منه ومن قومه ، لأنه ليكون لهم ولي لزكريا ، له حنانه وعطفه ومحبته ، ولذا قال تعالى :

{ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا 11 } .

فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ مِنَ ٱلۡمِحۡرَابِ فَأَوۡحَىٰٓ إِلَيۡهِمۡ أَن سَبِّحُواْ بُكۡرَةٗ وَعَشِيّٗا١١

{ فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا 11 } .

{ المحراب } هو المصلى ، ويظهر أنه كان يلازمه عندما وعده ربه أو كان قريبا منه دائما ، ولذا كان خروجه مبتدأ منه ، وسمي المصلى محرابا ، لأنه يحارب الشيطان بلزومه فهو مشتق من المحرب ، أو يحارب التعب ويأنس فيه بالله والقرب منه ، فيكون مشتقا من الحرب والتعب وجهاد النفس .

ومهما يكن اشتقاقه فهو أشرف مكان خرج على قومه منه وأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا ، { فأوحى } أي أشار إليهم ، وكأنه كان إلى محبوس اللسان ، كما يدل على ذلك مخاطبته لقومه بالإشارة والرمز ، وقد كان هو في ذكر دائم ، كما قال تعالى : { . . .واذكر ربك كثيرا وسبح بالعشيّ والإبكار 41 } ( آل عمران ) .

وقد دعا قومه للمشاركة في هذا بالإشارة لشكر الله تعالى لما تأكد من العلامة أن الله تعالى وهبه الولد الذي يكون وليا .

والتسبيح : التقديس ، والتسبيح في العشي والإبكار يفيد أنه تسبيح طوال النهار وطرفا من الليل ، وكانت دعوة قومه للتسبيح معه ، لأنه ذلك الولي الذي جعله رضيا سيكون مصدر خير لهم ، ولأنه يكون خلفا من الإيمان بالأسباب والمسببات إلى الإيمان بالله الفعال لما يريد .

page 306

يَٰيَحۡيَىٰ خُذِ ٱلۡكِتَٰبَ بِقُوَّةٖۖ وَءَاتَيۡنَٰهُ ٱلۡحُكۡمَ صَبِيّٗا١٢

بعد ذلك كان يحيى نبي الله ، وقد صار شخصا سويا يخاطب وينادي بما أنعم الله به عليه وعلى أبيه فقال تعالى مخاطبا نبيه يحيى :

{ يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا 12 } .

ناداه سبحانه بالبعيد إعلاء له وتشريفا ، وناداه باسمه محبة له وتقريبا ، وقد دل ذلك النداء على أنه بلغ حد الخطاب ، ولذا تضمن معنى كبير وكمل ، وعطف عليه بقوله : { وآتيناه الحكم صبيا } ، فالواو عاطفة تحمل على ما تضمنه معنى { يا يحيى } من بلوغ الرشد ، واستواء الشخصية الإنسانية وذلك أمر خارق للعادة فإن الصبي يشدو في الكمال حتى يبلغ مبلغ الرجال ، فيخاطب كما يخاطب الرجال ، ولكنه بلغ مبلغ الرجال ، وهو مبلغ من يعطيه الله تعالى الحكم ، والحكم هنا الحكمة ، وذلك كما في كلام حكيم تميم أكثم بن صيفي ( الصمت حكم ، وقليل فاعله ) أي الصمت حكمة وقليل فاعله ، والكتاب الذي أخذه هو التوراة ، فقد كانت التوراة شريعة النبيين الذين جاءوا من بعد موسى يقرءونها وينفذون أحكامها ، ويعلمونها للناس ويحكمون بما اشتملت عليه من نظم ، فداود وسليمان –عليهما السلام- كانا ينفذان في ملكهما حكم التوراة ، ويقيمان ما اشتملت من حدود وقصاص من غير تفريط فيها ، ومعنى { بقوة } ، أي خذه منفذا له بقوة لا تخشى فيه لومة لائم ، ولا معذرة لأثيم .

وَحَنَانٗا مِّن لَّدُنَّا وَزَكَوٰةٗۖ وَكَانَ تَقِيّٗا١٣

وقد ذكر الله سبحانه ما حلاه من صفات بشرية هي صفات البشر الكامل فقال تعالى :

{ وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا 13 } .

ذكر الله تعالى ثلاث صفات هي صفات الكمال لإنسان يعيش في وسط مجتمع يغذيه بماله وعاطفته ، ويجنب عنه السوء .

الصفة الأولى : ذكرها الله تعالى بقوله : { وحنانا } ، والحنان الشفقة والرأفة والرفق في معاملة الناس ، والفيض عليهم من حبه ، والحدب عليهم ، والواو عاطفة على { وآتيناه الحكم صبيا } ، فذلك بدا فيه منذ كان صبيا ، وهو ما أودعه الله تعالى في فطرته ، ولذا قال : { من لدنا } ، أي أن الله تعالى أعطاه تلك الصفة منه لا بتربية ولا تعليم فهو مهدى حنون شفيق بمقتضى تكوينه الفطري .

والصفة الثانية : الطهارة وذكرها الله تعالى بقوله : { وزكاة } ، أي طهارة ، وهي طهارة إيجابية فهو طاهر في نفسه ، ويفيض بطهارته على غيره ، ولذا نقول : إن ( زكاة ) تتضمن طهارة النفس ، والفيض على قومه بالصدقات ، فتكون طهارة لذاته وطهارة لمجتمعه من الموبقات ، فإن الزكاة طهارة للمجتمع .

والصفة الثالثة : التقوى وقد قال تعالى { وكان تقيا } ، أي كانت نفسه مملوءة بالتقوى وهي خوف الله تعالى ، وخوف الشر لقومه ، فكان نبيا ، وكان إنسانا كاملا سوى الخلق والنفس ، وتحققت فيه أمنية أبيه ولذا قال تعالى :

{ وبرا بوالديه ولم يكن جبّارا عصيا 14 } .

وَبَرَّۢا بِوَٰلِدَيۡهِ وَلَمۡ يَكُن جَبَّارًا عَصِيّٗا١٤

{ وبرا بوالديه ولم يكن جبّارا عصيا 14 } .

هذان الوصفان يضافان إلى الأوصاف الثلاثة السابقة ، أول الوصفين إيجابي ، والثاني سلبي .

أما الوصف الأول : فهو أنه كان برا بأبويه ، وهو استجابة لزكريا ، لأنه كان يخاف الموالي من ورائه ، فجاءه البر به وبأمه ، والذي به تقر أعينهما ، ولا يجدون شقوة في عشرته بل يصاحبهما صحبة طيبة كريمة برة .

والوصف الثاني : سلبي ، وهو أنه لم يكن جبارا مستكبرا مستطيلا على الناس بقوته أو رهبته ، بل كان أليفا متطامنا مطمئن النفس عادلا ، لا يرهب ، ولا يتجبر ، ووصف الجبار بأنه عصى ، وكل جبار عصى ، لأن يعصى بالبعد عن الناس ويعصى بمجافاتهم ، ويعصى بعداوتهم ، ويعصى بالظلم ، فالظلم مرتعه وخيم ، ويشقى فوق ذلك بغضب الله تعالى عليه ، وحسب الظلم شقاء ، فإنه لا يظلم إلا شقي ، ولا يسعى مع ظالم إلا شقي ، والعصي فعيل من عصى ، من العصيان وهو مبالغة

وَسَلَٰمٌ عَلَيۡهِ يَوۡمَ وُلِدَ وَيَوۡمَ يَمُوتُ وَيَوۡمَ يُبۡعَثُ حَيّٗا١٥

وقد كرم الله تعالى يحيى بتحية كريمة له فقد حيّاه تعالى من وقت أن ولد إلى أن مات فقال تعالى : { وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا 15 } .

السلام هو الأمن ، والأمن يتضمن الأمن من عذاب الله ، والظفر برضاه ، وهو أكبر ما يأخذه العبد ، وهذا الأمن والرضا من وقت ولادته ، فهو مبارك آمن يوم ولد ، ويوم يموت ، ويوم ببعث حيا .

وَٱذۡكُرۡ فِي ٱلۡكِتَٰبِ مَرۡيَمَ إِذِ ٱنتَبَذَتۡ مِنۡ أَهۡلِهَا مَكَانٗا شَرۡقِيّٗا١٦

ولادة عيسى

قلنا : إن العصر الذي قارب عيسى هو عصر الإيمان بالأسباب والمسببات العادية حتى ادعى أن الكون نشأ من منشئه على نظام : العلة والمعلول .

وإذا كانت تلك سمة هذا العصر فكان عصر الخوارق المبطلة لذلك التفكير الضال ، وقلنا إن يحيى كان حمله خارقا للعادة ، لأنه كان من أب بلغ من الكبر غيبا وأم كانت عاقرا لا تنجب .

وعيسى كان من غير أب ، بل سبق ذلك خوارق أخرى في الحمل بأمه ، وفي كفالتها ومدة حضانتها ، فقد كانت وهي في حضانة زكريا تعيش في المسجد محررة له كما نذرتها أمها في أثناء الحمل بها ، إذ قالت مخاطبة ربها : { إذ قالت امرأت عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم 35 فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثى وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرحيم 36 فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنّى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب 37 هنالك دعا زكريا ربه قال رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء 38 } ( آل عمران ) .

نرى أن خرق نظام الأسباب والمسببات ابتدأ بما كان من رزق مريم الذي أثار عجب زكريا ، وقد رأى الأسباب تطوى ولا تحول بين الله تعالى وما يريد ، فدعا ربه أن يهب له من لدنه ذرية طيبة .

فخرق نظام الأسباب العادية ومسبباتها كان في أم عيسى قبل أن تجيء إرهاصات ولادته ، بل كانت هذه هي الإرهاصات الأولى ، ولذا كان اصطفاء الله مريم البتول لتكون أم المسيح ، إذ قال عز من قائل { وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين 42 يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين 43 } ( آل عمران ) ، كانت هذه كلها إرهاصات لما اختارها الله تعالى له .

قال الله تعالى :

{ واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا 16 } .

الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ، والكتاب هو القرآن الكريم ، فهو الكتاب الكامل الذي إذا ذكرت كلمة الكتاب انتهت إليه ، فهو الجدير وحده بأن يسمى الكتاب ، لأنه كامل في نسبته إلى الله تعالى ، إذ هو خطابه لعباده ، وكامل فيما اشتمل عليه من شرائع وحكم ومواعظ وقصص .

{ إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا } النبذ : الطرح والرمي ، وانتبذ معناه نبذه نبذا شديدا ، والمعنى أنها اعتزلت الناس ونبذتهم ، وانفردت لعبادة الله وحده ، لا تأنس إلا به ، ولا يعمر قلبها إلا بذكره ، والمعنى انفردت من أهلها في مكان شرقي بيت المقدس الذي كان فيه محرابها ، ومحراب كافلها زكريا عليه السلام

فَٱتَّخَذَتۡ مِن دُونِهِمۡ حِجَابٗا فَأَرۡسَلۡنَآ إِلَيۡهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرٗا سَوِيّٗا١٧

وكان وراء هذا الانفراد أن اتخذت حجابا يحول بينهما .

ولذا قال تعالى : { فاتخذت من دونهم حجابا } ، والفاء للترتيب والتعقيب ، أي أنه صاحب الانتباذ أو أعقبه أن اتخذت حجابا من دونهم يحول بينهم وبينها ، فلا يرونها في عزلتها ، ولا تراهم ، وذلك إحكام للعزلة التي أرادتها بإلهام من الله تعالى ، لتكون أمّا لعيسى ، وقد كانت في هذه الخلوة الروحية على استعداد لتلقى أمر ربها ، وقد قال تعالى في الاصطفاء في السورة آل عمران مخاطبا لها بالوحي ، أو بالإلهام الروحي :{ وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاء وطهرك واصطفاك على نساء العالمين 42 يا مريم اقنتي لربك واسجدي واركعي مع الراكعين 43 } ( آل عمران ) .

في هذه الخلوة الروحية التي كان يتحدث فيها الملائكة ، كان لقاء جبريل الأمين لها ، ولذا قال تعالى :{ فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا } ، الروح هو جبريل ، وقد عبر عنه بروح القدس ، وأضيفت الروح إلى الله ، لأنه خالقها ، ولأنه المختص برسالته إلى خلقه ، وكذلك كان التعبير في قوله تعالى : { . . .فنفخنا فيها من روحنا . . . 91 } ( الأنبياء ) ، أي جبريل الأمين ، والفاء للترتيب ، أي أنه بعد أن اتخذت حجابا بينها وبين الناس منتبذة دونهم مكانا شرقيا ، أرسلنا إليها في هذه الخلوة الروحية جبريل ، فتمثل لها بشرا سويا ، أي ظهر لها في صورة رجل سوي مستوى الخلق والتكوين حسن الصورة ، وقد جاءها كذلك ، لأن البشر لا يرون الملك من الملائكة إلا على صورة البشر ، قال تعالى : { ولو جعلناه ملكا لجعلناه رجلا وللبسنا عليهم ما يلبسون 9 } ( الأنعام ) ، لأن البشر بحالهم البشرية لا يستطيعون أن يروا ملكا وهو في صورته الروحية .

قَالَتۡ إِنِّيٓ أَعُوذُ بِٱلرَّحۡمَٰنِ مِنكَ إِن كُنتَ تَقِيّٗا١٨

فوجئت البتول مريم – وهي في مكان قصي شرقي قد انتبذت الناس ، واتخذت من دونهم حجابا – بصورة رجل من البشر يدخل عليها ولا تدري من أين جاءها ، وقد سدّت الأبواب ، وقام الحجاب ، وفي الفزع من المفاجأة ، قال الله عنها :

{ قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا 18 } .

أي ألجأ إلى الله تعالى حذرة خائفة ، وذكرت الله تعالى بوصف الرحمن كأنها تستغيث من الناس برحمة الله تعالى ، وأنها في هذه الساعة تلجأ إلى رحمة الرحمن الرحيم ، ثم تتجه إلى الذي دنا منها مستنجدة بتقواه ، فتقول : { إن كنت تقيا } ، طاهرا متصونا مرجوا تخاف الله تعالى وتخشاه ، فهي تلجأ إلى الرحمن ، وتحثه على أن يخافه ويتقيه ، ويكون امرءا يخاف عذابه ويرجو ثوابه ، هنا يتقدم الملك الذي تمثل بشرا سويا يعلن حقيقته ومهمته ، وأنه ما جاء لينال منها شرا وأن ما سبق إلى وهمها ينفيه نفيا قاطعا ، ويزكيها ويقوي اصطفاء الله تعالى كما جاء في سورة آل عمران : { وبرا بوالديه ولم يكن جبّارا عصيا 14 } .

قَالَ إِنَّمَآ أَنَا۠ رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَٰمٗا زَكِيّٗا١٩

{ وبرا بوالديه ولم يكن جبّارا عصيا 14 } .

{ إنما } أداة حصر ، أي لست إلا رسول ربك ، أي أنا مرسل من ربك الذي خلقك ويعلم حالك وطهارتك ، وأنه اصطفاك من نساء العالمين ، لتكوني موضع معجزته الكبيرة وهي خلق إنسان من غير أب ، وقوله : { لأهب لك } اللام متعلقة برسول أي رسالتي لأهب لك ، لأكون أداة هبة لله لك ، أو طريق هبة الله لك ، فليس هو الذي يهب إنما يهب الله تعالى ، وهذا معنى القراءة الأخرى ( ليهب لك[1465] بإسناد الهبة لله تعالى مباشرة ، وعلى كلتا القراءتين الهبة من الله تعالى العزيز الوهاب ، والرسالة في قراءة ( ليهب لك ) موضوعها الرسالة وحدها .

وقوله تعالى : { غلاما زكيا } ، أي غلاما طاهرا ناميا في جسمه ونفسه وروحه ، وكل ما يتصل بالنمو الإنساني الكامل .

قَالَتۡ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلَٰمٞ وَلَمۡ يَمۡسَسۡنِي بَشَرٞ وَلَمۡ أَكُ بَغِيّٗا٢٠

اعتراها ما اعترى كافلها زكريا من استيلاء الأسباب والمسببات العادية فكانت مستغربة ، وحكى الله تعالى عنها أنها قالت :

{ قالت أنّى يكون لي غلام ولم يسسني بشر ولم أك بغيا 20 } .

{ أنّى } بمعنى كيف وهي للاستغراب لتأثرها بنظرية الأسباب التي كانت سائدة ، ولان هذا هو النظام الذي كانت تعرفه ويعرفه الناس ، وموضع الاستغراب أن يكون لها غلام ولم يكن أحد من الرجال قد مسها ، أي خالطها مخالطة جنسية بزواج شرعي ، أي أنها لم تزف إلى رجل في الحلال ، ولم تك بغيا أي امرأة مبغية مقصودة من الرجال ، بل كانت عفيفة نزيهة طاهرة ، وبغي : قال بعض الصرفيين : إنها على وزن ( فعول ) دخلها الإعلال بأن اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالتسكين فعلت وأدغمت الياء ، وعندي أنها على وزن ( فعيلة ) بمعنى مفعول ، ولم تلحقها التاء ، وذلك مثل قتيل وجريح ، والمرأة المتفحشة يقال لها بغي لأنها تُبتغى من الرجال ويطلبونها .

فنفت لذلك السيدة البتول بذلك الزواج ، وأن تكون قد زفت لبشر ، وأنها لم تكن تبتغي من الرجال ، وهذا موضع استبعادها مأسورة بحكم الأسباب العادية ، وقد سيطرت النظرية التي تفرض الأسباب والمسببات في كل الوجود .