تفسير ابن المنذر

ابن المنذر القرن الرابع الهجري
Add Enterpreta Add Translation

صفحة 62

إِنَّ أَوَّلَ بَيۡتٖ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكٗا وَهُدٗى لِّلۡعَٰلَمِينَ ٩٦

قوله عز وجل : { إن أول بيت وضع للناس }

[ آل عمران : 96 ]

711- حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال : حدثنا محمد بن بكير ، قال : حدثنا أبو معشر ، عن نافع ، مولى آل الزبير ، وسعيد المقبري ، عن أبي هريرة ، قال : إن الكعبة خلقت قبل الأرض ، بألفي سنة ، وهي قرار الأرض ، قال : إنما كانت خشفة أو حشفة[821] على الماء ، عليها ملكان ، من الملائكة ، يسبحان الليل والنهار ، ألفي سنة ، فلما أراد الله عز وجل أن يخلق الأرض دحاها[822] منها ، فجعلها في وسط الأرض .

712- حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال : حدثنا قبيصة ، قال : حدثنا سفيان ، عن حبيب بن أبي ثابت ، عن مجاهد ، عن عبد الله بن عمرو قال : خلقت الكعبة قبل الأرض بألفي سنة ، ودحيت الأرض من تحتها[823] .

713- حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا حماد بن زيد ، عن أيوب ، عن أبي قلابة ، قال : قال الله عز وجل لآدم : «إني مهبط معك بيتا ، تطوف حوله كما يطاف حول عرشي ، ويصلى عنده كما يصلى عند عرشي » قال : فلم يزل كذلك حتى كان زضمان الطوفان ، فرفع حتى بوئ لإبراهيم مكانه ، فبناه من خمسة أجبل ، من حراء ، وبثير ، ولبنان ، والطور ، وجبل الخمر[824] . قال : قال عبد الله بن عمرو : وأيم الله لتهدمنه أيتها الأمة ، ثلاث مرار ، يرفع عند الثالثة ، فاستمتعوا منه ما استطعتم[825] .

714- حدثنا النجار ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة : { إن أول بيت وضع للناس } . قال : أول بيت وضعه الله ، فطاف به آدم ، ومن بعده[826] .

715- حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم الصنعاني ، قال : حدثنا عبد الصمد بن معقل ، عن وهب بن منبه قال : لما تاب الله عز وجل على آدم ، أمره أن يسافر إلى مكة ، فطوى له الأرض والمفاوز ، فصار كل مفازة يمر بها خطوة ، وقبض له ما كان فيها من مخاض[827] أو بحر ، فجعله له خطوة فلم يضع قدمه في شيء من الأرض ، إلا صار عمرانا وبركة ، حتى انتهى إلى مكة . وكان قبل ذلك قد اشتد بكاؤه وحزنه ، لما كان به من عظم المصيبة ، حتى إن كانت الملائكة لتبكي لبكائه ، وتحزن لحزنه ، فعزاه الله عز وجل بخيمة من خيام الجنة ، وضعها له بمكة ، في موضع الكعبة ، قبل أن تكون الكعبة .

وتلك الخيمة ، ياقوتة حمراء ، من ياقوت الجنة ، فيها ثلاثة قناديل ، من ذهب نور ، تلتهب من نور الجنة ، ونزل معها يومئذ الركن ، وهو يومئذ ياقوتة بيضاء من ربض الجنة[828] ، وكان كرسيا لآدم ، يجلس عليه .

فلما صار آدم بمكة ، حرسه الله ، وحرس له تلك الخيمة بالملائكة ، كانوا يحرسونها ويذودون عنها سكان الأرض ، وسكانها يومئذ : الجن والشياطين ، فلا ينبغي لهم أن ينظروا إلى شيء من الجنة ، لأنه من نظر إلى شيء من الجنة وجبت له . والأرض يومئذ طاهرة ، نقية ، لم تنجس ، ولم يسفك فيها الدماء ، ولم يعمل فيها بالخطايا ، فلذلك جعلها الله مسكن الملائكة ، وجعلهم فيها ، كما كانوا في السماء ، يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، وكان وقوفهم على أعلام الحرم صفا واحدا ، مستديرين ، ( فالحرم[829] ) كله من خلفهم ، والحرم كله من أمامهم ، فلا يجوزهم جني ولا شيطان ، ومن أجل مقام الملائكة حرم الحرم حتى اليوم ، ووضعت أعلامه حيث كان مقام الملائكة ، وحرم على حواء دخول الحرم ، والنظر إلى خيمة آدم ، من أجل خطيئتها التي أخطأت في الجنة ، فلم تنظر إلى شيء من ذلك ، حتى قبضت .

وإن آدم صلى الله عليه و سلم كان إذا أراد لقاءها ، ليلم بها للولد ، خرج من الحرم كله ، حتى يلقاها ، فلم تزل خيمة آدم مكانها ، حتى قبض الله عز وجل آدم ، ورفعها إليه ، وبنى بنو آدم بها من بعدها مكانا : بيتا بالطين والحجارة ، فلم يزل معمورا يعمرونه ، ومن بعدهم ، حتى كان زمن نوح فنسمه الغرق وخفي مكانه .

فلما بعث الله عز وجل إبراهيم خليله ، طلب الأساس ، فلما وصل إليه ، ظلل الله مكان البيت بغمامة ، فكان حفاف البيت الأول ، ثم لم تزل راكدة على حفافة تظل إبراهيم وتهديه مكان القواعد ، حتى رفع القواعد ، وأقام ، ثم تكشفت الغمامة ، قال : فذلك قول الله عز وجل : { وإذ بوأنا لإبراهيم مكان البيت } [830] الغمامة التي ركدت على الحفاف لتهديه مكان القواعد .

قال وهب بن منبه ، : وقرأت في كتاب ، من الكتب الأول ، ذكر فيه أمر الكعبة ، فوجد فيه ، أن ليس من ملك بعثه الله إلى الأرض ، إلا أمره بزيارة البيت فينقض من عند العرش ، محرما ملبيا حتى يستلم الحجر ، ثم يطوف سبعا بالبيت ، ويصلي في جوفه ركعتين[831] .

716- حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال : حدثنا أبو نعيم ، قال : حدثنا شريك ، عن مجالد ، عن الشعبي ، عن علي ، في قوله عز وجل :

{ إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين } . قال : هو أول بيت وضع لعبادة الله ، وقد بنيت البيوت قبله[832] .

717- حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن بشر بن عاصم ، عن سعيد بن المسيب ، قال : حدثنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : أقبل إبراهيم عليه السلام من أرمينية ومعه السكينة فدله ، حتى بنوا البيت كما بنوا[833] العنكبوت بيتا ، فكان يحمل أحجارا ، الحجر يطيقه أو لا يطيقه ثلاثون رجلا فقلت : يا أبا محمد ، إن الله عز وجل يقول : { وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل } [834] . قال : كان ذلك بعد .

718- حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا عفان ، قال : حدثنا خالد بن الحارث ، قال : حدثنا أشعث ، عن الحسن في قوله عز وجل : { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة } . قال : أول قبلة ، أعملت للناس ، المسجد الحرام .

719- حدثنا علي بن المبارك قال : حدثنا زيد قال : حدثنا ابن ثور ، عن ابن جريج قال : وقال آخرون في قوله : { إن أول بيت وضع للناس } . قال آخرون : قالت اليهود : بيت المقدس أعظم لأنها مهاجر الأنبياء ، ولأنه في الأرض المقدسة ، فقال المسلمون : بل الكعبة أعظم ، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه و سلم فنزلت : { إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا } ، فذلك حتى قوله : { فيه آيات بينات مقام إبراهيم } وليس ذلك في بيت المقدس { ومن دخله كان آمنا } وليس ذلك في بيت المقدس { ولله على الناس حج البيت } وليس ذلك لبيت المقدس[835] .

قوله عز وجل : { للذي ببكة مباركا } [ آل عمران : 96 ]

720- حدثنا موسى ، قال : حدثنا يحيى بن عبد الحميد ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن الأسود بن قيس ، عن أخيه ، عن ابن الزبير ، قال : إنما سميت بكة : موضع البيت ، ومكة : ما حوله .

- وكذلك روي عن النخعي[836] ، وأبي مالك[837] ، وأبي صالح[838] ، وسلمة بن كهيل[839] .

721- حدثنا محمد بن إسماعيل ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا إسماعيل بن زكريا ، عن مسعر ، عن عتبة بن قيس ، قال : إن مكة بكت[840] بكاء ، الذكر فيها كالأنثى ، فقلت : كأن هذا من قول ابن عمر ، فقال : بل هو من قول عمر[841] . [842]

722- حدثنا علي ، قال : حدثنا حجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن حماد الكوفي ، عن سعيد بن جبير ، أنه قال : بكت الرجال بالنساء ، والنساء بالرجال ، في الطواف ، بعضهم ببعض[843] .

723- حدثنا محمد بن علي ، قال : حدثنا سعيد ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن زياد ، عن سعيد ، قال : أخبرني سلمة بن كهيل ، قال : سمعت مجاهدا يقول : إنما سميت بكة ، لأن الناس يبك بعضهم بعضا[844] .

- وكذلك قال قتادة[845] .

724- أخبرنا علي بن عبد العزيز ، قال : حدثنا الأثرم ، عن أبي عبيدة : { للذي ببكة } قال : للذي ببكة ، هو اسم لبطن مكة ، وذلك لأنهم يتباكون فيها ، ويزدحمون[846] .

725- حدثنا محمد بن إسماعيل الصائغ ، قال : حدثنا حسين المروزي : قال : حدثنا أبو صالح ، قال : حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن ، أنه سأل محمد بن زيد بن المهاجر ، أن يكتب له في منزل في داره بمكة ، فكتب إلى ابن فروخ إياك أن تكريها[847] أو تأكل كراها ، فإنها إنما سميت بكة ، لأنها تبك الظلمة[848] .

726- حدثنا زكريا ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : أخبرنا يحيى بن آدم ، عن عبد السلام بن حرب ، عن عطاء بن السائب ، عن وبرة ، قال : صليت إلى جنب أبي جعفر ، بمكة ، فمرت امرأة ، فرددتها ، فضرب بيدي ، فلما صلى قال : أتدري لم سميت بكة ؟ قلت : لا ، قال : لأن الناس تبك فيها بعضهم بعضا ، ولها سنة ليست لسائر البلدان[849] .

727- حدثنا النجار ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة ، قال : { وبكة } ؛ بك الناس بعضهم بعضا ، الرجال والنساء ، جميعا يصلي بعضهم بين يدي بعض ، ويمر بعضهم بين يدي بعض ، ولا يصلح ذلك إلا بمكة[850] .