معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي

البغوي القرن السادس الهجري
Add Enterpreta Add Translation

page 582

عَمَّ يَتَسَآءَلُونَ١

سورة النبأ

مكية وآياتها أربعون

{ عم } أصله : عن ما فأدغمت النون في الميم وحذفت ألف ما كقوله : فيم ، و بم ؟ { يتساءلون{ ، أي : عن أي شيء يتساءلون ، هؤلاء المشركون ؟ وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دعاهم إلى التوحيد وأخبرهم بالبعث بعد الموت ، وتلا عليهم القرآن جعلوا يتساءلون بينهم فيقولون : ماذا جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ؟ قال الزجاج : اللفظ لفظ استفهام ومعناه التفخيم ، كما تقول : أي شيء زيد ؟ إذا عظمت أمره وشأنه .

عَنِ ٱلنَّبَإِ ٱلۡعَظِيمِ٢

ثم ذكر أن تساؤلهم عماذا فقال :{ عن النبأ العظيم } قال مجاهد والأكثرون : هو القرآن ، دليله : قوله : { قل هو نبأ عظيم }( ص- 67 ) ، وقال قتادة : هو البعث .

ٱلَّذِي هُمۡ فِيهِ مُخۡتَلِفُونَ٣

{ الذي هم فيه مختلفون } فمصدق ومكذب .

كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ٤

{ كلا سيعلمون } { كلا } نفي يقول : هم سيعلمون عاقبة حين تنكشف الأمور .

ثُمَّ كَلَّا سَيَعۡلَمُونَ٥

{ ثم كلا سيعلمون } وعيد لهم على أثر وعيد . وقال الضحاك : { كلا سيعلمون } يعني : الكافرين ، { ثم كلا سيعلمون } يعني : المؤمنين .

أَلَمۡ نَجۡعَلِ ٱلۡأَرۡضَ مِهَٰدٗا٦

ثم ذكر صنائعه ليعلموا توحيده ، فقال{ ألم نجعل الأرض مهاداً } فراشاً .

وَٱلۡجِبَالَ أَوۡتَادٗا٧

{ والجبال أوتادا } للأرض حتى لا تميد .

وَخَلَقۡنَٰكُمۡ أَزۡوَٰجٗا٨

{ وخلقناكم أزواجاً } أصنافاً ذكوراً وإناثاً .

وَجَعَلۡنَا نَوۡمَكُمۡ سُبَاتٗا٩

{ وجعلنا نومكم سباتاً } يعني : راحة لأبدانكم . قال الزجاج : السبات : أن ينقطع عن الحركة والروح فيه . وقيل : معناه جعلنا نومكم قطعاً لأعمالكم ، لأن أصل السبت : القطع .

وَجَعَلۡنَا ٱلَّيۡلَ لِبَاسٗا١٠

{ وجعلنا الليل لباساً } غطاء وغشاء يستر كل شيء بظلمته .

وَجَعَلۡنَا ٱلنَّهَارَ مَعَاشٗا١١

{ وجعلنا النهار معاشا } المعاش : العيش ، وكل ما يعاش فيه فهو معاش ، أي جعلنا النهار سبباً للمعاش والتصرف في المصالح . قال ابن عباس : يريد : تبتغون فيه من فضل الله ، وما قسم لكم من رزقه .

وَبَنَيۡنَا فَوۡقَكُمۡ سَبۡعٗا شِدَادٗا١٢

{ وبنينا فوقكم سبعاً شدادا } يريد سبع سماوات .

وَجَعَلۡنَا سِرَاجٗا وَهَّاجٗا١٣

{ وجعلنا سراجاً } يعني الشمس ، { وهاجاً } مضيئاً منيراً . قال الزجاج : الوهاج : الوقاد . قال مقاتل : جعل فيه نوراً وحرارة ، والوهج يجمع النور والحرارة .

وَأَنزَلۡنَا مِنَ ٱلۡمُعۡصِرَٰتِ مَآءٗ ثَجَّاجٗا١٤

{ وأنزلنا من المعصرات } قال مجاهد ، وقتادة ، ومقاتل ، والكلبي : يعني الرياح التي تعصر السحاب ، وهي رواية العوفي عن ابن عباس . قال الأزهري : هي الرياح ذوات الأعاصير ، وعلى التأويل تكون { من } بمعنى الباء يعني : بالمعصرات ، وذلك أن الريح تستدر المطر . وقال أبو العالية ، والربيع ، والضحاك : المعصرات هي السحاب وهي رواية الوالبي عن ابن عباس . قال الفراء : المعصرات السحائب التي تنحلب بالمطر ولا تمطر ، كالمرأة المعصر هي التي دنا حيضها ولم تحض . وقال ابن كيسان : هي المغيثات من قوله { فيه يغاث الناس وفيه يعصرون }( يوسف-49 ) . وقال الحسن ، وسعيد بن جبير ، وزيد بن أسلم ، ومقاتل بن حيان : { من المعصرات } أي من السماوات . { ماءً ثجاجاً } أي صباباً ، وقال مجاهد : مدراراً . وقال قتادة : متتابعاً يتلو بعضه بعضاً . وقال ابن زيد : كثيراً .

لِّنُخۡرِجَ بِهِۦ حَبّٗا وَنَبَاتٗا١٥

{ لنخرج به } أي بذلك الماء ، { حبا } وهو ما يأكله الناس ، { ونباتاً } ما تنبته الأرض مما تأكله الأنعام .

وَجَنَّـٰتٍ أَلۡفَافًا١٦

{ وجنات ألفافاً } ملتفة بالشجر ، واحدها لف ولفيف ، وقيل : هو جمع الجمع ، يقال : جنة لفا ، وجمعها لف ، بضم اللام ، وجمع الجمع ألفاف .

إِنَّ يَوۡمَ ٱلۡفَصۡلِ كَانَ مِيقَٰتٗا١٧

{ إن يوم الفصل } يوم القضاء بين الخلق ، { كان ميقاتا } لما وعد الله من الثواب والعقاب .

يَوۡمَ يُنفَخُ فِي ٱلصُّورِ فَتَأۡتُونَ أَفۡوَاجٗا١٨

{ يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجاً } زمراً زمراً من كل مكان للحساب .

وَفُتِحَتِ ٱلسَّمَآءُ فَكَانَتۡ أَبۡوَٰبٗا١٩

{ وفتحت السماء } قرأ أهل الكوفة : { فتحت } بالتخفيف ، وقرأ الآخرون بالتشديد ، أي شقت لنزول الملائكة ، { فكانت أبواباً } أي ذات أبواب . وقيل : تنحل وتتناثر حتى تصير فيها أبواب وطرق .

وَسُيِّرَتِ ٱلۡجِبَالُ فَكَانَتۡ سَرَابًا٢٠

{ ‌وسيرت الجبال } عن وجه الأرض ، { فكانت سراباً } أي هباءً منبثاً لعين الناظر كالسراب .