تفسير الشعراوي

الشعراوي القرن الخامس عشر الهجري

صفحة 283

وَأَنَّ ٱلَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِٱلۡأٓخِرَةِ أَعۡتَدۡنَا لَهُمۡ عَذَابًا أَلِيمٗا ١٠

وهذه الآية امتداد للآية السابقة ، ومعطوفة عليها ؛ لأن الله تعالى ذكر فعلاً واحداً : { ويبشر . . " 9 " }

( سورة الإسراء ) ، ثم عطف عليه : { وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة . . " 10 " } ( سورة الإسراء ) : إذن : فالآية داخلة في البشارة السابقة ، ولكن كيف ذلك ، والبشارة السابقة تبشر المؤمنين بأن لهم أجراً كبيراً ، والبشارة إخبار بخير يأتي في المستقبل ، فكيف تكون البشارة بالعذاب ؟

قالوا : نعم ، هذه بشارة على سبيل التهكم والاستهزاء بهم ، كما قال تعالى في آية أخرى : { فبشرهم بعذاب أليمٍ " 34 " } ( سورة التوبة ) .

وكما قال الحق سبحانه متهكماً : { ذق إنك أنت العزيز الكريم " 49 " }( سورة الدخان ) : وكما تقول للولد الذي أهمل فأخفق في الامتحان : مبروك عليك الفشل ، أو تقول : بشر فلاناً بالرسوب . وقد تكون البشارة للمؤمن بالجنة ، وللكافر بالعذاب ، كلاهما بشارة للمؤمن ، فبشارة المؤمن بالجنة تسره وتسعده ، وتجعله يستشرف ما ينتظره من نعيم الله في الآخرة .

وبشارة الكافر بالعذاب تسر المؤمن ؛ لأنه لم يقع في مصيدة الكفر ، وتزجر من لم يقع فيه وتخيفه ، وهذا رحمة به وإحسان إليه . وهذا المعنى واضح في قول الحق سبحانه في سورة الرحمن :

{ رب المشرقين ورب المغربين " 17 " فبأي آلاء ربكما تكذبان " 18 " مرج البحرين يلتقيان " 19 " بينهما برزخ لا يبغيان " 20 " فبأي آلاء ربكما تكذبان " 21 " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " 22 " فبأي آلاء ربكما تكذبان " 23 " وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام " 24 " فبأي آلاء ربكما تكذبان " 25 " }

( سورة الرحمن ) : فهذه كلها نعم من نعم الله تعالى علينا ، فناسب أن تذيل بقوله تعالى : { فبأي آلاء ربكما تكذبان " 18 " } ( سورة الرحمن ) .

أما قوله تعالى : { يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران " 35 " فبأي آلاء ربكما تكذبان " 36 " }( سورة الرحمن ) : فأي نعمة في أن يرسل الله عليهما شواظ من نار ونحاس فلا ينتصران ؟ نعم ، المتأمل في هذه الآية يجد فيها نعمة من أعظم نعم الله ، ألا وهي زجر العاصي عن المعصية ، ومسرة للطائع .