تفسير الشعراوي

الشعراوي القرن الخامس عشر الهجري

صفحة 283

وَكُلَّ إِنسَٰنٍ أَلۡزَمۡنَٰهُ طَـٰٓئِرَهُۥ فِي عُنُقِهِۦۖ وَنُخۡرِجُ لَهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ كِتَٰبٗا يَلۡقَىٰهُ مَنشُورًا ١٣

كلمة ( طائره )أي : عمله وأصلها أن العرب كانوا في الماضي يزجرون الطير ، أي : إذا أراد أحدهم أن يمضي عملاً يأتي بطائر ثم يطلقه ، فإن مر من اليسار إلى اليمين يسمونه " السانح " ويتفاءلون به ، وإن مر من اليمين إلى اليسار يسمونه " البارح " ويتشاءمون به ، ثم يتهمون الطائر وينسبون إليه العمل ، ولا ذنب له ولا جريرة .

إذن : كانوا يتفاءلون باليمين ، ويتشاءمون باليسار ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن ، ولا يحب التشاؤم ؛ لأن الفأل الطيب ينشط أجهزة الجسم انبساطاً للحركة ، أما التشاؤم فيدعو للتراجع والإحجام ، ويقضي على الحركة والتفاعل في الكون .

والحق سبحانه هنا يوضح : لا تقولوا الطائر ولا تتهموه ، بل طائرك أي : عملك في عنقك يلازمك ولا ينفك عنك أبداً ، ولا يسأل عنه غيره ، كما أنه لا يسأل عن عمل الآخرين ، كما قال تعالى : { ولا تزر وازرة أخرى . . " 15 " }( سورة الإسراء ) : فلا تلقي بتبعية أفعالك على الحيوان الذي لا ذنب له . وقوله تعالى : { ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا " 13 " } ( سورة الإسراء ) : وهو كتاب أعماله الذي سجلته عليه الحفظة الكاتبون ، والذي قال الله عنه : { ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا " 49 " } ( سورة الكهف ) : هذا الكتاب سيلقاه يوم القيامة منشوراً . أي : مفتوحاً معداً للقراءة .