يقول الحق تبارك وتعالى : { صراط الذين أنعمت عليهم } ما معنى " الذين أنعمت عليهم " ؟ . . اقرأ الآية الكريمة :
{ ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً " 69 " }( سورة النساء ) .
وأنت حين تقرأ الآية الكريمة فأنت تطلب من الله تبارك وتعالى أن تكون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين . . أي أنك تطلب من الله جل جلاله . . أن يجعلك تسلك نفس الطريق الذي سلكه هؤلاء لتكون معهم في الآخرة . . فكأنك تطلب الدرجة العالية في الجنة . . لأن كل من ذكرناهم لهم مقام عال في جنة النعيم . . وهكذا فإن الطلب من الله سبحانه وتعالى هو أن يجعلك تسلك الطريق الذي لا اعوجاج فيه . والذي يوصلك في أسرع وقت إلى الدرجة العالية في الآخرة .
وعندما نعرف أن الله سبحانه وتعالى قال : ( هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ) . . تعرف أن الاستجابة تعطيك الحياة العالية في الآخرة وتمتعك بنعيم الله . ليس بقدرات البشر كما يحدث في الدنيا . . ولكن بقدرة الله تبارك وتعالى . . وإذا كانت نعم الدنيا لا تعد ولا تحصى . . فكيف بنعم الآخرة ؟ لقد قال الله سبحانه وتعالى عنها :
{ لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد " 35 " } ( سورة ق ) .
أي أنه ليس كل ما تطلبه فقط ستجده أمامك بمجرد وروده على خاطرك ولكن مهما طلبت من النعم ومهما تمنيت فالله جل جلاله عنده مزيد . . ولذلك فإنه يعطيك كل ما تشاء ويزيد عليه بما لم تطلب ولا تعرف من النعم . . وهذا تشبيه فقط ليقرب الله تبارك وتعالى صورة النعيم إلى أذهاننا ، ولكن الجنة فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر .
وبما أن المعاني لابد أن توجد أولا في العقل ثم يأتي اللفظ المعبر عنها . . فكل شيء لا نعرفه لا توجد في لغتنا ألفاظ تعبر عنه . فنحن لم نعرف اسم التليفزيون مثلا إلا بعد أن أخترع وصار له مفهوم محدد . تماما كما لم نعرف اسم الطائرة قبل أن يتم اختراعها . . فالشيء يوجد أولا ثم بعد ذلك يوضع اللفظ المعبر عنه . ولذلك فإن مجامع اللغات في العالم تجتمع بين فترة وأخرى . لتضع أسماء لأشياء جديدة اخترعت وعرفت مهمتها . .
ومادام ذلك هو القاعدة اللغوية ، فإنه لا توجد ألفاظ في لغة البشر تعبر عن النعيم الذي سيعيشه أهل الجنة لأنه لم تره عين ولم تسمع به أذن ولا خطر على القلب . . ولذلك فإن كل ما نقرؤه في القرآن الكريم يقرب لنا الصورة فقط . ولكنه لا يعطينا حقيقة ما هو موجود . ولذلك نجد الله سبحانه وتعالى حين يتحدث عن الجنة في القرآن الكريم يقول :
{ مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طمعه وأنهار من خمرٍ لذةٍ للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميماً فقطع أمعاءهم " 15 " }( سورة محمد ) .
أي أن هذا ليس حقيقة الجنة ولكنها مثل فقط يقرب ذلك إلى الأذهان . . لأنه لا توجد ألفاظ في لغات البشر يمكن أن تعطينا حقيقة ما في الجنة .
وقوله تعالى : { غير المغضوب عليهم } . . أي غير الذين غضبت عليهم يا رب من الذين عصوا . ومنعت عنهم هداية الإعانة . . الذين عرفوا المنهج فخالفوه وارتكبوا كل ما حرمه الله فاستحقوا غضبه .
ومعنى غير " المغضوب عليهم " أي يا رب لا تيسر لنا الطريق الذي نستحق به غضبك . كما استحقه أولئك الذين غيروا وبدلوا في منهج الله ليأخذوا سلطة زمنية في الحياة الدنيا وليأكلوا أموال الناس بالباطل . .
وقد وردت كلمة " المغضوب عليهم " في القرآن الكريم في قوله تعالى : { قل هل أنبئكم بشرٍ من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت أولئك شر مكاناً وأضل عن سواء السبيل " 60 " }( سورة المائدة ) .
وهذه الآيات نزلت في بني إسرائيل .
وقول الله تعالى : { ولا الضالين } هناك الضال والمضل . . الضال هو الذي ضل الطريق فاتخذ منهجا غير منهج الله . . ومشى في الضلالة بعيدا عن الهدى وعن دين الله . . ويقال ضل الطريق أي مشى فيه وهو لا يعرف السبيل إلى ما يريد أن يصل إليه . . أي أنه تاه في الدنيا فأصبح وليا للشيطان وابتعد عن طريق الله المستقيم . . هذا هو الضال . . ولكن المضل هو من لم يكتف بأنه ابتعد عن منهج الله وسار في الحياة على غير هدى . . بل يحاول أن يأخذ غيره إلى الضلالة . . يغري الناس بالكفر وعدم اتباع المنهج والبعد عن طريق الله . . وكل واحد من العاصين يأتي يوم القيامة يحمل ذنوبه . . إلا المضل فإنه يحمل ذنوبه وذنوب من أضلهم . مصداقا لقوله سبحانه : { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون " 25 " }( سورة النحل ) .
أي أنك وأنت تقرأ الفاتحة تستعيذ بالله أن تكون من الذين ضلوا . . ولكن الحق سبحانه وتعالى لم يأت هنا بالمضلين . نقول أنك لكي تكون مضلا لابد أن تكون ضالا أولا . . فالاستعاذة من الضلال هنا تشمل الاثنين . لأنك مادمت قد استعذت من أن تكون ضالا فلن تكون مضلا أبدا .
بقى أن نتكلم عن ختم فاتحة الكتاب . بقولنا آمين أسوة برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي علمه جبريل عليه السلام أن يقول بعد قراءة الفاتحة آمين ، فهي من كلام جبريل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وليست كلمة من القرآن .
وكلمة آمين معناها استجب يا رب فيما دعوناك به من قولنا : " اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم " أي أن الدعاء هنا له شيء مطلوب تحقيقه . وآمين دعاء لتحقيق المطلوب . . وكلمة آمين اختلف العلماء فيها . . أهي عربية أم غير عربية .
وهنا يثور سؤال . . كيف تدخل كلمة غير عربية في قرآن حكم الله بأنه عربي . . ؟ نقول أن ورود كلمة ليست من أصل عربي في القرآن الكريم . لا ينفي أن القرآن كله عربي . بمعنى أنه إذا خوطب به العرب فهموه . . وهناك ألفاظ دخلت في لغة العرب قبل أن ينزل القرآن . . ولكنها دارت على الألسن بحيث أصبحت عربية وألفتها الأذان العربية . .
فليس المراد بالعربي هو أصل اللغة العربية وحدها . . وإنما المراد أن القرآن نزل باللغة التي لها شيوع على ألسنة العرب . وما دام اللفظ قد شاع على اللسان قولا وفي الآذان سمعا . فإن الأجيال التي تستقبله لا تفرق بينه وبين غيره من الكلمات التي هي من أصل عربي . . فاللفظ الجديد أصبح عربيا بالاستعمال وعند نزول القرآن كانت الكلمة شائعة شيوع الكلمة العربية .
واللغة ألفاظ يصطلح على معانيها . بحيث إذا أطلق اللفظ فهم المعنى . واللغة التي نتكلمها لا تخرج عن اسم وفعل وحرف . . الاسم كلمة والفعل كلمة والحرف كلمة . . والكلمة لها معنى في ذاتها ولكن هل هذا المعنى مستقل في الفهم أو غير مستقل . . إذا قلت محمد مثلا فهمت الشخص الذي سمى بهذا الاسم فصار له معنى مستقل . . وإذا قلت كتب فهمت أنه قد جمع الحروف لتقرأ على هيئة كتابة . . ولكن إذا قلت ماذا وهي حرف فليس هناك معنى مستقل . . وإذا قلت " في " دلت على الظرفية ولكنها لم تدلنا على معنى مستقل . بل لابد أن تقول الماء في الكوب . . أو فلان على الفرس . . غير المستقل في الفهم نسميه حرفا لا يظهر معناه إلا بضم شيء له . . والفعل يحتاج إلى زمن ، ولكن الاسم لا يحتاج إلى زمن . .
إذن الاسم هو ما دل على معنى مستقل بالفهم وليس الزمن جزءا منه . . والفعل ما دل على فعل مستقل بالفهم والزمن جزء منه . . والحرف دل على معنى غير مستقل . . ما هي علامة الفعل هي أنك تستطيع أن تسند إليه تاء الفاعل . . أي تقول كتبت والفاعل هو المتكلم . . ولكن الاسم لا يضاف إليه تاء الفاعل فلا تقول محمدت . . إذا رأيت شيئا يدل على الفعل أي يحتاج إلى زمن . . ولكنه لا يقبل تاء الفاعل فإنه يكون اسم على فعل .
آمين من هذا النوع ليست فعلا فهي اسم مدلوله مدلول الفعل . . معناه استجب . . فأنت حين تسمع كلمة " آه " أنها اسم لفعل بمعنى أتوجع . . وساعة تقول " أف " اسم فعل بمعنى أتضجر . . وآمين اسم فعل بمعنى استجب . . ولكنك تقولها مرة وأنت القارئ ، وتقولها مرة وأنت السامع . فساعة تقرأ الفاتحة تقول آمين . . أي أنا دعوت يا رب فاستجب دعائي . . لأنك لشدة تعلقك بما دعوت من الهداية فإنك لا تكتفي بقول اهدنا ولكن تطلب من الله الاستجابة . وإذا كنت تصلي في جماعة فأنت تسمع الإمام وهو يقرأ الفاتحة ، ثم تقول آمين . لأن المأموم أحد الداعين . . الذي دعا هو الإمام ، وعندما قلت آمين فأنت شريك في الدعاء . . ولذلك فعندما دعا موسى عليه السلام أن يطمس الله على أموال قوم فرعون ويهلكهم قال الله لموسى :
{ قال قد أجيبت دعوتكما فاستقيما ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون " 89 " } ( سورة يونس ) .
أي أن الخطاب من الله سبحانه وتعالى موجه إلى موسى وهارون . ولكن موسى عليه السلام هو الذي دعا . . وهارون أمن على دعوة موسى فأصبح مشاركا في الدعاء .