جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري

الطبري القرن الرابع الهجري

صفحة 468

رَفِيعُ ٱلدَّرَجَٰتِ ذُو ٱلۡعَرۡشِ يُلۡقِي ٱلرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ ٱلتَّلَاقِ ١٥

القول في تأويل قوله تعالى : { رَفِيعُ الدّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ يُلْقِي الرّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلَىَ مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ لِيُنذِرَ يَوْمَ التّلاَقِ * يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لاَ يَخْفَىَ عَلَى اللّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْوَاحِدِ الْقَهّارِ } .

يقول تعالى ذكره : هو رفيع الدرجات ورفع قوله : رَفِيعُ الدّرَجاتِ على الابتداء ولو جاء نصبا على الردّ على قوله : فادعوا الله ، كان صوابا . ذُو العَرْشِ يقول : ذو السرير المحيط بما دونه .

وقوله : يُلْقِي الرّوحَ مِنْ أمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ يقول : ينزل الوحي من أمره على من يشاء من عباده .

وقد اختلف أهل التأويل في معنى الروح في هذا الموضع ، فقال بعضهم : عُني به الوحي . ذكر من قال ذلك :

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يُلْقِي الرّوحَ مِنْ أمْرِهِ قال : الوحي من أمره .

وقال آخرون : عُني به القرآن والكتاب . ذكر من قال ذلك :

حدثني هارون بن إدريس الأصمّ ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن المحاربيّ ، عن جُوَيبر ، عن الضحاك في قوله : يُلْقِي الرّوحَ مِنْ أمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ قال : يعني بالروح : الكتاب ينزله على من يشاء .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : يُلْقِي الرّوحَ مِنْ أمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ، وقرأ : وكذَلكَ أوْحَيْنَا إلَيْكَ رُوحا مِنْ أمْرِنا قال : هذا القرآن هو الروح ، أوحاه الله إلى جبريل ، وجبريل روح نزل به على النبيّ صلى الله عليه وسلم ، وقرأ : نَزَلَ بِهِ الرّوحُ الأمِينُ قال : فالكتب التي أنزلها الله على أنبيائه هي الروح ، ليُنذر بها ما قال الله يوم التلاق ، يَوْمَ يَقُومُ الرّوحُ وَالمَلاَئِكَةُ صَفّا ، قال : الروح : القرآن ، كان أبي يقوله ، قال ابن زيد : يقومون له صفا بين السماء والأرض حين ينزل جلّ جلاله .

وقال آخرون : عُني به النبوّة . ذكر من قال ذلك :

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، وفي قول الله : يُلْقِي الرّوحَ مِنْ أمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ قال : النبوّة على من يشاء .

وهذه الأقوال متقاربات المعاني ، وإن اختلفت ألفاظ أصحابها بها .

وقوله : لِيُنْذِرَ يَوْمَ التّلاقِ يقول : لينذر من يلقي الروح عليه من عباده من أمر الله بإنذاره من خلقه عذاب يوم تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض ، وهو يوم التلاق ، وذلك يوم القيامة . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس ، قوله : يَوْمَ التّلاقِ من أسماء يوم القيامة ، عظمه الله ، وحذّره عباده .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : يَوْمَ التّلاقِ : يوم تلتقي فيه أهل السماء وأهل الأرض ، والخالق والخلق .

حدثنا محمد ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدي يَوْمَ التّلاق تلتقي أهل السماء وأهل الأرض .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد يَومْ التّلاقِ قال : يوم القيامة . قال : يوم تتلاقى العباد .