{ مالك يوم الدين } قرأ عاصم والكسائي ويعقوب مَالِكَ والآخرون مَلِكَ ، وقرأ أبو عمرو الرحيم مّلِكِ بإدغام الميم في الميم وكذلك يدغم كل حرفين متحركين من جنس واحد أو مخرج واحد أو قريبي المخرج ، أما إذا كانا مثلين في كلمتين فذلك واقع في سبعة عشر حرفا ، إلا في مواضع عديدة وهي الباء والتاء والثاء والحاء المهملة والراء والسين المهملة والعين وعشرة أحرف بعدها نحو { لذهب بسمعهم } { الشوكة تكون لكم } { ثالث ثلاثة } { لا أبرح حتى } { فاستغفر ربّه } { وترى الناس سكارى } { وطبع على قلوبهم } { ومن يتّبع غير الإسلام } { تعرف في وجوههم } { الغرق قال ءامنت } { إنك كنت بنا } { جعل لكم } { يعلم ما } { وأحسن نديّا } { إلا هو والملائكة } { إنه لهو } ولا تمنع صلة الهاء { نودي يا موسى } إذا لم يكن الحرف الأول تاء المتكلم أو المخاطب { كنت ترابا } { أفأنت تُكره } ولا منونا نحو : { واسع عليم } ولا مشددا نحو : { تم ميقات } والمواضع العديدة المستثناة منها { يحزنك كفره } لا يدغم فيه أبو عمرو لإخفاء النون قبلها اتفاقاً ومنها كل موضع التقيا فيه مثلان بسبب حذف وقع في آخر الكلمة الأولى نحو : { يبتغ غير الإسلام } { إن يك كاذبا } { يخل لكم } ففي هذه الكلمات لأبي عمرو وجهان : الإظهار والإدغام . ومنها عند البعض { ءال لوط } والصحيح إدغامه . ومنها واو هي إذا كان الهاء مضموما على قراءة أبي عمرو ووقع بعده واو نحو : { هو ومن يأمر بالعدل } وذلك في ثلاثة عشر موضعا فاختلف في إدغامه لكن رواية الإدغام أقوى . ومنها واو هي إذا كان الهاء ساكنا على قراءته وهو ثلاثة مواضع { فهو وليّهم } { وهو واقع } قال بعضهم فيها الإظهار بلا خلاف ، وقال بعضهم بخلاف والإظهار أقوى . هذا إذا كان المثلان في كلمتين ، وأما إذا كانا في كلمة واحدة فلم يأت عنه الإدغام إلا في موضعين { مناسككم } في البقرة { ما سلككم } في المدثر هذا إدغام المثلين ، وأما إدغام المتقاربين في كلمة واحدة فالقاف تدغم في الكاف إذا كان قبلهما متحرك وبعدهما ميم نحو : { يرزقكم } بخلاف { ميثاقكم } و{ نرزقك } وحُكي الخلاف في إدغام { طلّقكنّ } ولا يدغم غيره ، وفي كلمتين تدغم ستة عشر حرفا إذا لم يكن منونا ولا تاء مخاطب ولا مجزوما ولا مشددا ، الحاء تدغم في العين في { زحزح عن النار } وروي إدغامها في العين حيث التقيا نحو : { ذُبح على النُّصب } { المسيح عيسى } { لا جناح عليهما } والقاف في الكاف وبالعكس عند تحرك ما قبلهما نحو : { خلق كل شيء } { لك قصورا } بخلاف { فوق كلّ } { وتركوك قائما } والجيم في التاء في كلمة { ذي المعارج تعرج } وفي الشين في { أخرج شطئه } والشين في السين في { ذي العرش سبيلا } والضاد في الشين في { لبعض شأنهم } والسين في الزاء { وإذا النفوس زوّجت } وفي الشين في { الرأس شيبا } والدال تدغم في حروف عشرة حيث جاءت نحو : { المساجد تلك } { عدد سنين } { القلائد ذلك } { وشهد شاهد } { من بعد ضراء } { يريد ثواب } { تريد زينة } { تفقد صُواع } { من بعد ظلم } { داود جالوت } وفي { دار الخلد جزاء } خلاف ، ولم يلق الدال طاء في القرآن ولم تدغم الدال مفتوحة بعد ساكن بحرف بغير التاء فلا تدغم { لداود سليمان } { بعد ذلك زنيم } { ءال داود شكرا } { وءاتينا داود زبورا } { بعد ضرّاءَ مسّته } { بعد ظلم } { بعد ثبوتها } وتدغم { كاد يزيغ } { بعد توكيدها } ولا ثالث لهما والتاء تدغم في تلك العشرة إلا في التاء من باب المثلين وقد مر ذكره وكذا في الطاء حيث جاءت ولم يلق التاء دالا إلا والتاء ساكنة نحو { أجيبت دعوتكما } ولا ثالث لهما والتاء تدغم في تلك العشرة إلا في التاء من باب المثلين وقد مر ذكره وكذا في الطاء حيث جاءت ولم يلق التاء دالا إلا والتاء ساكنة نحو { أجيبت دعوتكما } وذلك واجب الإدغام نحو : { الملائكة طيّبين } { بالساعة سعيرا } { والذاريات ذروا } { بأربعة شهداء { والعاديات ضبحا } ولا ثاني له { والنبوّة ثم يقول } { إلى الجنة زمرا } { الملائكة صفا } { والملائكة ظالمي } في النساء والنحل ليس غيرهما { وعملوا الصالحات جناح } والتاء لم تقع مفتوحة بعد ساكن إلا وهو حرف خطاب ولا إدغام فيه إلا في مواضع وقعت بعد ألف فمنها لا خلاف في إدغامه وهو { أقم الصلاة طرفي النهار } وفي الباقي خلاف نحو : { حُمِّلوا التوراة ثم لم يحملوها } وأيضا خلاف في بعض تاء مكسورة { آت ذا القربى } { ولتأت طائفة } وفي { جئت شيئا } مكسور التاء خلاف في إدغامه مع أنه تاء خطاب . ولا خلاف في الإظهار إذا كانت مفتوحة { جئت شيئا نكرا } والثاء تدغم في خمسة أحرف حيث جاءت نحو { حيث تؤمرون } { وورث سليمان } { والحرث ذلك } وليس غيره و{ حيث شئتم } و{ حديث ضعيف } وليس غيره . والذال في السين والصاد { فاتخذ سبيله } في الكهف في موضعين { ما اتخذ صاحبه } واللام تدغم في الراء وبالعكس إلا إذا انفتحا بعد ساكن فتدغم نحو : { كمثل ريح } { هنّ أطهر لكم } لا نحو { فعصوا رسول ربّهم } { إن الأبرار لفي نعيم } لكن لام قال إذا كان الراء بعده تدغم وإن كان مفتوحا بعد ساكن { قال ربّ } { قال رجلان } { قال ربّكم } والنون تدغم في اللام والراء إذا تحرك ما قبلها نحو : { يخافون ربّهم } { بإذن ربّهم } { أنّى يكون له الملك } إلا نون نحن تدغم في اللام حيث جاءت وإن كانت بعد ساكن نحو { نحن له } { وما نحن لك } وهو عشر مواضع ، والميم المتحرك ما قبلها إذا كان بعدها باء تُسكن وتخفى ، والباء في { يعذّب من يشاء } حيث أتى بدغم في الميم وهي خمسة مواضع سوى ما في البقرة فإنه ساكن الباء في قراءة أبي عمرو وفيه الإدغام الصغير وحيث ما يُجوِّز أبو عمرو الإدغام الكبير فله هناك ثلاثة أوجه أُخر : الإشمام والروم والإظهار غير أن الإشمام يقع في الحروف المضمومة فقط والروم في المضمومة والمكسورة دون المفتوحة . والإشمام : عبارة عن ضم الشفتين كقُبلة المحبوب إشارة إلى الضمة والروم عبارة عن الإخفاء والتلفظ ببعض الحركة ، لكن الإشمام والروم عنده في سائر الحروف غير الباء مع الميم وبالعكس نحو : { نصيب برحمتنا } { يعذب من يشاء } { يعلم ما } { أعلم بما كانوا } والإدغام لا يتأتى إذا كان قبل الحرفين حرف ساكن صحيح نحو : { خذ العفو وأمر } { بعد ظلمه } { في المهد صبيّا } { دار الخلد جزاء } لاجتماع الساكنين فالإدغام هناك بنطق بعض الحركة وهو الإخفاء والروم ، والتعبير هناك بالإدغام تجوز . أما إذا كان الساكن حرف مد أو لين صح الإدغام نحو : { فيه هدى } { وقال لهم } { ويقول ربنا } { وقوم موسى } و{ كيف فعل } والله أعلم .
المَلِكُ والمَالِكُ قيل : معناهما واحد الرّبّ مثل فرهين وفارهين وحذرين وحاذرين ، والحق أن المالك من المِلك بالكسر بمعنى الرب يقال مالك الدار ورب الدار والمَلك من الملك بالضم بمعنى السلطان هما صفتان له تعالى ، والقراءتان متواترتان فلا يجوز أن يقال المَلِك هو المختار ، وقيل : الملك والمالك بمعنى القادر على الاختراع من العدم إلى الوجود فلا يطلق على غيره تعالى إلا مجازا . ويوم الدين يوم القيامة والدين الجزاء ومنه «كما تدين تدان » [ رواه أبو نعيم وابن عدي والديلمي ، وعبد الرزاق في الزهد عن أبي قلابة مرسلا وأحمد عن أبي الدرداء موقوفا ، انظر كشف الخفاء ( 902 ) ] وهو مثل مشهور وحديث مرفوع رواه ابن عدي في الكامل بسند ضعيف وله شاهد مرسل عند البيهقي وأخرج أحمد عن مالك ابن دينار أنه في التوراة والديلمي عن فضالة بن عبيدة مرفوعا أنه في الإنجيل ، وقال مجاهد : يوم الدين أي الحساب { ذلك الدين القيّم } [ التوبة : 36 ] أي الحساب المستقيم ، وقيل : القهر منه دنته فدان أي قهرته فذل ، أو الإسلام أو الطاعة ، فإنه يوم لا ينفع فيه إلا الإسلام والطاعة ، وإنما خص ذلك اليوم بالذكر لأن في غيرها من الأيام قد يطلق الملك لغيره تعالى مجازاً ولأن فيه إنذار ودعوة إلى القول بإياك نعبد ، أضاف الصفة إلى الظرف إجراءً له مجرى المفعول به نحو يا سارق الليلة ، ومعناه الماضي على طريقة { نادى أصحاب الجنة } [ الأعراف : 44 ] فإن المتيقن كالواقع فصح وقوعها صفة للمعرفة ، وإجراء هذه الصفات على الله تعالى للتعليل على أنه الحقيق بالحمد ومن لم يتصف بتلك الصفات لا يستأهل الحمد فضلا أن يعبد والتمهيد لقوله { إياك نعبد } .
وقوله : { الرحمن الرحيم } يدل على الاختيار وينفي الإيجاب بالذات والوجوب عليه قضية لسوابق الأعمال .