4 ران : غطى أو حجب .
{ كلا إن كتاب الفجار لفي سجين1 ( 7 ) وما أدراك ما سجين2 ( 8 ) كتاب مرقوم 3 ( 9 ) ويل يومئذ للمكذبين ( 10 ) الذين يكذبون بيوم الدين ( 11 ) وما يكذب به إلا كل معتد أثيم ( 12 ) إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين ( 13 ) كلا بل ران 4 على قلوبهم ما كانوا يكسبون ( 14 ) كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ( 15 ) ثم إنهم لصالوا الجحيم ( 16 ) ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون ( 17 ) } [ 7-17 ] .
في الآيات حملة شديدة على الفجار المكذبين بيوم الدين . وقد ابتدأت بالردع والزجر للتنبيه على أن الأمر أعظم مما يظنون . ثم آذنتهم بأن مصير الفجار قد كتب وتقرر في الهوة السحيقة المظلمة المعدة لعذابهم يوم القيامة . وما أعظم هولها . والويل لهم في يوم الجزاء الذي يكذبون به . ولا يكذب به إلا كل أثيم باغ إذا سمع آيات الله هزأ بها وقال : إنها ليست إلا أساطير الأولين . والحقيقة من أمرهم أن ما اقترفوه من آثام وجلبت عليه نفوسهم من شر وخبث قد غطى على بصائرهم وحجّر قلوبهم . وإنهم لمبعدون عن الله ورضوانه . ولسوف يصلون الجحيم ، ويقال لهم عند ذلك : هذا الذي كنتم به تكذبون .
ويربط بين هذه الآيات وما قبلها الإنذار بالبعث ليوم الدين العظيم الذي يقف الناس فيه بين يدي الله . فهي والحالة هذه متصلة بها سياقا وموضوعا .
والحملة قوية مفزعة من شأنها بالإضافة إلى واجب الإيمان بالمشهد الأخروي إثارة الرعب في قلوب السامعين وحملهم على الارعواء من جهة ، وقد انطوت على صورة لما كان عليه الكفار من شدة العناد والمكابرة حين نزولها من جهة أخرى ، والإنذار متحقق بالنسبة للذين ظلوا على كفرهم وإثمهم .
ولقد روى الترمذي في سياق الآية [ 14 ] حديثا عن أبي هريرة قال : ( قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء ، فإذا هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه وهو الران الذي ذكره الله { كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون } ) . حيث ينطوي في الحديث تفسير وتبشير وإنذار معا . وقد أورد المفسرون أقوالا لابن عباس ومجاهد والحسن وغيرهم تفيد أن القصد من الجملة : هو بيان ما يحدثه الكفر والآثام في قلب صاحبها من تحجر وانغلاق وموتان .
ولقد روى المفسرون في مناسبة جملة { كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون }إلى الكلام عن رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة ، حيث استدل بعضهم وأوردوا أقوالا لبعض علماء التابعين وللإمام الشافعي في الاستدلال بها على ذلك ، وحيث أورد بعضهم أقوالا تفيد أن المقصود بالجملة حجب الكرامة والرحمة الربانية . وقد قال الطبري : إن الجملة قد تحتمل هذا المعنى وقد تحتمل ذلك ولكن ليس فيها وليس هناك أثر نبوي يساعد على ترجيح أحدهما على الآخر .
ولقد شرحنا الموضوع الأصلي وعلقنا عليه في سياق تفسير الآيات { وجوه يومئذ ناضرة 22 إلى ربها ناظرة 23 } في سورة المدثر بما يغني عن الإعادة .