الجواهر الحسان في تفسير القرآن للثعالبي

الثعالبي القرن التاسع الهجري

صفحة 188

وَإِن نَّكَثُوٓاْ أَيۡمَٰنَهُم مِّنۢ بَعۡدِ عَهۡدِهِمۡ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمۡ فَقَٰتِلُوٓاْ أَئِمَّةَ ٱلۡكُفۡرِ إِنَّهُمۡ لَآ أَيۡمَٰنَ لَهُمۡ لَعَلَّهُمۡ يَنتَهُونَ ١٢

وقوله سبحانه : { وَإِن نَّكَثُواْ أيمانهم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ } [ التوبة : 12 ] .

ويليق هنا ذكْرُ شيء مِنْ حُكْمٍ طعن الذميِّ في الدِّين ، والمشهورُ من مذْهَب مالِكٍ : أنه إِذا فعل شيئاً من ذلك ؛ مِثْلُ تكذيبِ الشريعة ، وسبِّ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قُتِلَ .

وقوله سبحانه : { فقاتلوا أَئِمَّةَ الكفر } ، أي : رؤوسهم وأعيانهم الذين يقودُونَ الناس إِليه ، وأصوبُ ما يقال في هذه الآية : أنه لا يُعْنَى بها معيَّنٌ وإِنما وَقَعَ الأمر بقتال أئمة الناكثين للعهود من الكَفَرةِ إِلَى يوم القيامة ، واقتضت حالُ كفَّار العرب ومحارِبي النبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ أَن تكون الإِشارة إِليهم أَولاً ، ثم كُلُّ مَنْ دَفَعَ في صدر الشريعة إِلى يوم القيامة فهو بمنزلتهم .

وقرأ الجمهور : { لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ } ( جَمْع يمين ) ، أي : لا أيمان لهم يُوفَى بها وتُبَرُّ ، وهذا المعنَى يشبه الآيةَ ، وقرأ ابن عامر وحده من السبعة : { لا إِيمَانَ لَهُمْ } ، وهذا يحتملُ وجهين :

أحدهما : لا تصديقَ لهم ، قال أبو عَليٍّ : وهذا غَيْرُ قويٍّ ؛ لأنه تكريرٌ ، وذلك أنه وَصَفَ أَئمَّة الكُفْرِ بأنهم لا إِيمان لهم ، والوجْه في كَسْر الألفِ أَنَّه مصْدَرٌ من آمَنْتُهُ إِيماناً ؛ ومنه قوله تعالى : { مِنْ جُوع وَآمَنَهُمْ } [ قريش : 4 ] فالمعنى : أنهم لاَ يُؤَمَّنُونَ كما يُؤَمَّنُ أَهْلُ الذمَّة الكتابيُّون ؛ إِذ المشركون ليس لهم إِلا الإِسلام أو السَّيْفَ ، قال أبو حاتمْ : فَسَّر الحَسَنُ قراءته : ( لا إِسلام لهم ) .

قال ( ع ) : والتكريرُ الذي فَرَّ أبو عَلِيٍّ منه متَّجِهٌ ، لأنه بيانُ المهمِّ الذي يوجبُ قَتْلهم .