جامع البيان في تفسير القرآن للإيجي

الإيجي محيي الدين القرن العاشر الهجري

صفحة 575

۞إِنَّ رَبَّكَ يَعۡلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدۡنَىٰ مِن ثُلُثَيِ ٱلَّيۡلِ وَنِصۡفَهُۥ وَثُلُثَهُۥ وَطَآئِفَةٞ مِّنَ ٱلَّذِينَ مَعَكَۚ وَٱللَّهُ يُقَدِّرُ ٱلَّيۡلَ وَٱلنَّهَارَۚ عَلِمَ أَن لَّن تُحۡصُوهُ فَتَابَ عَلَيۡكُمۡۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِۚ عَلِمَ أَن سَيَكُونُ مِنكُم مَّرۡضَىٰ وَءَاخَرُونَ يَضۡرِبُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِ يَبۡتَغُونَ مِن فَضۡلِ ٱللَّهِ وَءَاخَرُونَ يُقَٰتِلُونَ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِۖ فَٱقۡرَءُواْ مَا تَيَسَّرَ مِنۡهُۚ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ وَأَقۡرِضُواْ ٱللَّهَ قَرۡضًا حَسَنٗاۚ وَمَا تُقَدِّمُواْ لِأَنفُسِكُم مِّنۡ خَيۡرٖ تَجِدُوهُ عِندَ ٱللَّهِ هُوَ خَيۡرٗا وَأَعۡظَمَ أَجۡرٗاۚ وَٱسۡتَغۡفِرُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمُۢ ٢٠

{ إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى } : أقل ، { مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } ، وفي قراءة نصب نصفه وثلثه عطف على أدنى ، ويكون المراد من أدنى من ثلثي الليل الربع ، ليكون تجاوزا عن الأمر فيترتب عليه قوله : " فتاب عليكم " ، ويكون موافقا لتلك القراءة معنى ، { وطائفة } ، عطف على فاعل تقوم ، { من الذين معك } أي : يقومون أقل ، { والله يقدر الليل والنهار } : لا يعرف مقادير ساعتهما إلا هو ، فيعلم القدر الذي يقومون فيه ، { علم أن لن تحصوه } : أن لن تطيقوا ما أوجب عليكم من القيام ، أو لن تستطيعوا ضبط الساعات ، { فتاب عليكم } : عاد عليكم بالعفو والتخفيف ، وعن غير واحد من السلف إن هذه الآية نسخت الذي كان الله أوجبه على المسلمين أولا من قيام الليل[5185] واختلفوا في المدة التي بينهما سنة ، أو قريب منها أو ستة عشر شهرا أو عشر سنين ، { فاقرءوا[5186] ما تيسر من القرآن } : من غير تحديد لوقت لكن قوموا من الليل ما تيسر عبر عن الصلاة بالقراءة ، ومذهب حسن البصري وبعض آخر : الواجب على حملة القرآن أن يقوموا من الليل ، ولو بشيء منه ، وفي الحديث ما يدل على ذلك ، { علم أن سيكون منكم مرضى } : لا يستطيعون القيام الذي قررناه ، { وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله } : يسافرون للتجارة ، واجتماع كلفة السفر ، كلفة إحياء الليل بالصلاة في غاية من الصعوبة ، { وآخرون يقاتلون في سبيل الله } ، هذا إخبار عن الغيب ، فإن السورة مكية ، والقتال شرع في المدينة ، { فاقرءوا ما تيسر[5187] منه وأقيموا الصلاة } : المفروضة عن بعض : إنه نسخ قيام الليل بالصلوات الخمس ، { وآتوا الزكاة } : الواجبة ، وهذا يدل على قوله من قال : إن فرض الزكاة بمكة لكن المقادير والمصرف لم يبين إلا بالمدينة ، { وأقرضوا الله قرضا حسنا } ، يريد سوى الزكاة من الصدقات ، { وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو } ، هو ضمير الفصل ، { خيرا } : من الذي تؤخرونه ، أو من الذي أعطيتموه ، وهو ثاني مفعولي تجدوه ، { وأعظم أجرا } : نفعا ، وجزاء ، وفي الصحيح قال- عليه السلام- " أيكم ماله أحب إليه من مال وارثه ؟ قالوا : ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه ، قال : اعلموا ما تقولون ، قالوا : ما نعلم إلى ذلك ، قال : إنما مال أحدكم ما قدم ، ومال وارثه ما أخر " ، { واستغفروا[5188] الله إن الله غفور رحيم } .

والحمد لله رب العالمين .